لقد أصبح عمرها 140 عاما. ولا شك أن مبانيها القديمة هي جوهرة العمار في بيروت. وحدائقها هي أجمل حدائق المدينة. ولولا الجامعة الأميركية لكانت بيروت مجرد خليط من الاسمنت، مذوق أحيانا، قليل الذوق أحيانا. أعطت الجامعة الأميركية لبيروت، صورتها الأممية. جاءها العرب من كل مكان. ومن «الأميركية» خرج اليسار العربي. ومنها خرج «اليمين» الآسيوي، مثل زلماي خليل زاد الأفغاني الذي أصبح سفير أميركا في العراق.

ألقى كلمة الخريجين لهذا العام الأستاذ عبد المحسن القطان. وروى انه باع فرشته العام 1951 بعد تخرجه لكي يستطيع الذهاب إلى عمان. وقال إن معظم رفاقه كانوا يملكون ثمن وجبة واحدة في اليوم. ثم تحدث جون والربوري رئيس الجامعة وراح يعدد: القاعة الفلانية بناها سليمان العليان. القاعة الأخرى بناها نجيب أبو حيدر. إميل البستاني. حسيب الصباغ وسعيد خوري. كل قاعة أو عمود أو غرف لها بان. وإلا لكانت الجامعة الأميركية مدرسة صغيرة على البحر. لكن هنا. اختلط الكرم العربي بثقافة التبرع للعلم. فكانت هذه المدينة الجامعية العريقة في قلب مدينة صاخبة تدعى بيروت.

هذا النوع من التبرع صنع أميركا. كل التقدم العلمي في أميركا نتيجة التبرعات الأهلية. لذلك تقدمت جامعاتها على بقية الأمم، حيث التعليم ملك الدولة أو الحزب. وكان الطلاب الأجانب يلقون في أميركا هارفارد وستانفورد، وفي موسكو يلقون جامعة لومومبا. وكان ثمن العلامات الجيدة بضع زجاجات من الفودكا. وفي رومانيا كان الثمن كتابا في مديح تشاوشسكو. وأحد أصدقائي الأطباء اختصاصي في العظام ودراسته التجربة التشاوشوكسية الرائدة في الاشتراكية العلمية.

قرر بيل غيتس أن يتقاعد قريبا لينصرف إلى مؤسسته الخيرية التي خصص لها 35 مليار دولار. وتحمس الملياردير جوج بافيت للمشروع فزاد عليه 45 مليارا. ولن تعدم مؤسسة خلفها مثل هؤلاء الناجحين الوصول إلى مائة مليار. وفي الدنيا عجائب سبع هذه ثامنتهم: أن يكون حجم مؤسسات العمل التطوعي في حجم اكبر شركات العالم. وان تكون هذه المؤسسة قادرة، مثل أهم شركات الأدوية والأبحاث، على خدمة العلم والطب والذين لا يملكون.

زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون. لم تتغير القاعدة منذ «كليلة ودمنة». وقبل أن ندخل في ثقافة نشر العلم سوف نظل أعدادا لا معنى لها مثل الصين القديمة. ذات مرة قال رئيس حزب «الكتائب» بيار الجميل لرئيس الوزراء صائب سلام: «أنت لا تهتم إلا بالمسلمين وتعليم المسلمين». فأجاب رجل الدولة: «من أجلكم يا شيخ بيار. من اجل أن تعيشوا مع أكفياء وراقين لا مع أصحاب حاجة وفقر».