عبد اللطيف مهنا

ماالذي يحدث راهناً في غزة...في نابلس...أو ما قد يضاف اليوم إلى ما كان قد حدث على مدار ما يقارب القرن في فلسطين...أو ما سوف يتبعه مما قد يحدث مستقبلاً في المنطقة بأسرها؟!

إنها بلا شك الحرب الشاملة المستمرة، بكل ما تعنيه كلمة الحرب ومضامينها، وأولها دمويتها ووحشيتها وفظاعتها وعدوانيتها...لكنها في هذه المرة وفي هذه الحالة بالذات الحرب المختلفة عن ما عداها أو سبقها مما كان قد عهده تاريخ هذه البشرية المثخن بالعدوانية المترافقة مع أغلب الحروب غير العادلة الشبيهة...لأنها، وهذه من خصوصيات هذا الذي يجري أو مفارقاته، حرب تخاض من طرف واحد. من قبل قوة احتلال غاشمة باطشة حاقدة، سادرة في غيّها...وقد لانعدم امكانية الاستمرار في سوق مثل هذه التوصيفات التي تليق بها، وعلى مثل هذا النحو، و إلى ما شئنا...تشنها ضد طرف آخر، هو شعب أعزل تماماً، وبكل ما تعنيه أيضاً مضامين كلمة أعزل هذه...تشنها قوة احتلال فاجرة القوة ومن ثم وقحة المنطق، سنحت لها سانحة لم يسبق وأن توفرت لسواها من المعتدين في غابر الأزمنة وراهنها، وتتمثل في أمرين:

الأول: أنها تُرفد وتتزود بكل ما شاءته من آلات الموت وأدوات الدمار ووسائل القهر المتطورة، وكل ما حفلت بها ترسانات هذا العالم في غفلة من أخلاقياته المهترئة التي درست وقارب أن يعف عليها الزمن ...وان قلنا العالم، فنحن نعني بلا شك، وفي هذه الحقبة الزمنية الكونية مختلة العدالة متدنية القيم، الغرب، والذي يمكن اختصاره في وليّة أمره، وسيدته، أو عميدته ومركزه، الولايات المتحدة، المسؤولة أولاً وأخيراً وحتى قيام الساعة عن كل ما يجري راهناً، في غزة، ونابلس، والمنطقة، وسواها ، أوالذي يشبهه، في العالم!

يردف هذا، كل ما تشتهيه هذه القوة الباغية... التي هي جزء عضوي لايتجزأ من هذا الغرب، أو هذه الثكنة المتقدمة له في هذه المنطقة، بما لها من طبيعة ووظيفة ودور... يردفه كل ماتشتهيه من كل ما يلزمها من دعم مادي ومعنوي، وحتى بشري، و شتى ضروب التضامن، الذي بلغ حد التواطؤ والتآمر والمشاركة، والذي لايتوقف، والذي تُخص به من ذات مزوديها الدائمين إياهم، بأسباب القوة العسكرية، أو من أولئك الذين فتحوا لها ترساناتهم العسكرية الجهنمية على مصراعيها، و كذا ملحقاتهم من بلدان العالم الدائر في فلكهم.

...وعليه، هل من الغرابة في شيء أن تنفلت هذه القوة الإستعمارية العنصرية الحاقدة من عقال كل ما عرفته الانسانية من قيم؟!

والثاني: أنها تستفرد شعباً أعزلاً...أعزل، أيضاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة اللعينة من مضامين...هو أعزل، وابتداءً، من السلاح وحتى الرغيف...بل وتقريباً من الحد الأدنى من الأسباب المنطقية الكافية للاستمرارية صموداً أو حتى مواصلةً للحياة...بل هو اليوم غدا الأعزل حتى من صلة رحم حقيقية داعمة ممن يفترض أنهم ذو, رحم...بل حتى من أبسط مظاهر تضامن ذوي القربى المفترض أو المستوجب، وأقله، هنا، التضامن المعنوي إن عز العملي أو الفعلي، أو حتى مجرد شد الأزر قولاً لاعملاً... هذا التضامن الذي في معتاد الأحوال لايجوز، حيث من المنطقي أن تقف الأمة مع نفسها ولاتتضامن بعضها مع بعضها، أو، كما يقال، تقف وقفة رجل واحد في مثل هكذا حالات!.. لكن المؤسف أن الواقغ يقول أن بعض الأمة، ونعني هنا بعضها الرسمي، يتوسط بين المعتدي والأعزل، أو بالأحرى يطالب الأعزل بالمرونة في استجابته لإملاءات المعتدي!!!

...اذن، هي الحرب العدوانية الشاملة من طرف واحد تلك التي تشنها اسرائيل اليوم، أو تواصل شنها منذ ستة عقود على الشعب الفلسطيني الأعزل... وبالمقابل إنها المقاومة الفلسطينية التي تواجه العدوان الاسرائيلي أو يواصلها الفلسطينيون بعناد أسطوري ضد الاحتلال... وعنواناه الراهنان، أي عنوانا هذه الحرب و هذه المقاومة، هما: الأول:

عملية "تبديد الوهم" الفدائية المتميزة أو غير المسبوقة، أو ما عرفت بعملية "كرم أبو سالم"، أو ما يطلق عليها أحياناً عملية أبو عطايا (القائد أبو سمهدانة) وأحياناً أخرى عملية هدى...

والثاني:

حملة "أمطار الصيف" المتدحرجة، أو هذه الاجتياحات العسكرية الدموية والتدميرية الاسرائيلية لقطاع غزة بذريعة البحث عن الجندي الاسرائيلي، أو الفرنسي الاسرائيلي، الذي أسر في تلك العملية... أو هذه الخطة من ثلاث مراحل، التي كشفت عنها وتحدثت عن تفاصيلها الصحف الاسرائيلية قبل حدوث عملية "كرم أبو سالم" بأسابيع وتنفذ الآن بحذافيرها.. ولنبدأ بالعنوان الفلسطيني... بكرم أبو سالم:

في هذا الزمن العربي الردييء، والفلسطيني البائس، والدولي المتواطىء وعديم الانسانية، ومن قطاع غزة المحاصر المجوّع المكتظ، والذي حولوه إلى ماهو أشبه بالحاوية البشرية المضغوطة... وحيث فوق رأس كل مناضل هناك طائرة بلا طيار أوقمر اصطناعي، وإلى جانبه ومن خلفه أو أمامه عين الكترونية متجسسة أو عين عميل مدسوس... في مثل هذا الزمن وهذه الظروف، مجموعة فدائية أحسنت التدريب والتخطيط و الإعداد والتنفيذ، وتحلت فيما تحلت بروح تضحية وإقدام، أو تسلحت، وقد عز السلاح، بجرأة لم يعرفها يوماً عدوها، تعبر نفقاً شق بصبر وعناد وإصرار تحت الأرض، وبوسائل أكثر من بدائية، كما بدائية تسليحها، لتطلع مصادفةً إلى سطح الأرض من تحت دبابة جاثمة في قاعدة عسكرية اسرائيلية حصينة، ومن ثم تشتبك وجهاً لوجه مع عدوها المدجج، حيث قتلت وجرحت ودمرت وأخذت أسيراً ورحلت ... عادت ليس من تحت الأرض كما جاءت وإنما من فوقها، بعد أن نسفت جداراً الكترونياً محكماً ضرب حول القطاع المحتل...
الاسرائيليون، الذين بوغتوا فأعلنوا بداية أن هناك إنزالاً خلف خطوطهم! قالوا، أن العملية الخاطفة استمرت 6 دقائق، وقال، قائد المنطقة الجنوبية المهدد، كما يقال، بالعزل إثر هذه العملية، الجنرال يوآف غالانت: "لقد فوجئنا، لقد فشلنا"... وأجمع الاسرائيليون على أن هذه العملية "أذهلت الجيش الاسرائيلي"، وقالت صحيفة "يدعوت أحرونوت" أنها "السيناريو الأسوء الذي كان بوسع الجيش الاسرائيلي توقعه"... واندلعت من ثم الخلافات بين المؤسسات الأمنية الاسرائيلية... بين الشاباك والجيش... بين قائد الجو ورئيس الأركان... بين العسكريين والسياسيين... بين من لهم ماض أمني ومن لم يتوفر لهم من السياسيين، وهؤلاء، أي من لم يتوفر لهم ماضي أمني، هم على أية حال القلة في دولة خرج ويخرج أغلب قادتها عادةً من المؤسسة الأمنية... طلع الجنرالات المباغتين عبر وسائل الاعلام يوجهون التهديدات و يسوقون الوعيد للشعب الأعزل وكأنما هم إزاء عدو مكافىء لهم في القوة أو هم بصدد مواجهة جيش لايقهر، فكان هذا منهم، بحيث ذكرنا بزملائهم السابقين من جنرالات الرايخ الألماني بدايات الحرب العالمية الثانية، أو كأنما هم، ,قد بالغوا في وعيدهم للفلسطينيين، أولئك الجنرالات من النازيين الذين يتوعدون بالويل و الثبور نظراءهم في بريطانيا العظمى آنذاك أو جنرالات الجيش الأحمر الزاحف غرباً!

... لماذا؟

لأن عملية، كرم أبو سالم... بالمناسبة، يصر الاعلام العربي على تهويد اسم هذا الموقع الفلسطيني، الذي يعني، كما هو معروف، مفرد كروم، التي تطلق على بساتين العنب، وتطلق أيضاً على بساتين اللوز في جنوب فلسطين، إذ لم ينفك هذا الإعلام يردد ببغائياً "كيرم شالوم"بالعبرية ... لأن هذه العملية، استحقت بجدارة أن يطلق عليها فدائيوها "الوهم المتبدد"... فماذا بددت؟!
هنا يجب أن نقول شيئاً وهو أن سر الإرباك و الغضب الاسرائيلي المقارب لفقدان الصواب، لايكمن فحسب في هذه الخسارة المعنوية التي لحقت بجيش الاحتلال، ولا لأن هذه العملية هي فعلاً من مستوى حاذق غير مسبوق، ربما لم يسمع بمثيله حتى لدى الفيتناميين مبتكري الأنفاق والوسائل البسيطة الفعالة، ولاهو حرص كان زائداً على جنديهم الأسير جلعاد شاليت، لاسيما وأن الرئيس الفرنسي أرفد حرصهم المفتعل، بحرصه الزائد، وترجمه اتصالات اقليمية من أجل عيون هذا الفرنسي الاسرائيلي الذي اسر في معركة في قلب قاعدة عسكرية اسرائيلية، وليس مخطوفاً، أو كما يردد الإعلام العربي، وأيضاً ببغائياً، عندما يصفه بً "الجندي المخطوف"، والجميع يعلم أنه إنما سحب في معركة غير متكافئة من داخل دبابته، كما اعترف الاسرائيليون أنفسهم، أي خطف وهو يمتطي دبابته و لم يخطف وهو يقوم بجولة في مهرجان تسوق!

... سر الغضب الاسرائيلي، أو هذا الجنون الاسرائيلي، أو فقدان الصواب، كما اصطلح الكثيرون في توصيف ردود فعلهم، مرده أمر واحد كان ويظل دائماً يشكل عقدة قلق وجودي مزمن، أو نقطة تمس فوبيا مصيرية دائمة، بالنسبة للاسرائيليين... ماهو؟
الاسرائيليون، وهم المصابون بلوثة القوة والاحساس المتضخم بها، جراء مظاهر الدعم الغربي والعجز العربي غير المحدودين، يعجزون تماماً عن تصوّر أو فهم أو استيعاب حقيقة تقول: أن ستة عقود من التهجير والتشريد والابادة والقمع المتواصل، أوالقهر المستمر، غير كافية للفت في عضد مقاومة الشعب الفلسطيني العنيدة لعدوانيتهم... ستة عقود حبلى بشتى محاولات التغييب الوطني وأساليب الاخضاع المتعددة، لم تقو على كسر إرادة هذا الشعب الأشبه بطائر الفنيق الأسطوري... ولأن واقعة "كرم أبو سالم"، بالإضافة إلى تبديدها لوهم القوة الاسرائيلية، أو وهم القدرة على إمكانية كسر الإرادة الفلسطينية، ومهما طال أمد الصراع، أو وهم تحقيق حلم استيعاب المقاومين ضمن أخدوعة "السلطة" الأوسلوية "البلا سلطة"، أو تدجينهم ... بددت الأوهام التالية:

أولها، كان مايدعى بفك الارتباط أو إعادة الإنتشار الاسرائيلي في الضفة والقطاع المحتلين... الذي ما كان في حقيقته إلا تخفيضاً لكلفة الاحتلال وتفادياً للخطر الديموغرافي الفلسطيني أوتوخياً للحفاظ على ما يدعى بنقاء الدولة اليهودية، عبر احتلال يدار عبر التحكم عن بعد ... وصولاً إلى عدم جدوى جدار الفصل التهويدي العازل أمنياً، وإن كان في حقيقة الأمر أو أصلاً لهذا الجدار هدفاً تهويدياً، وكذا سليلتهما، "خطة الإنطواء"... جدوى الأسيجة الأمنية الالكترونية المعقدة حول القطاع المحتل، وعقم محاولات الحيلولة دون تساقط الصواريخ الفلسطينية على"سديروت"... أو سائر ماله من علاقة بحكاية الانفصال من طرف واحد، الذي، كما هو معروف، نسجت حوله سياسات وإإتلافات حزبية اسرائيلية... وحيث بددت هذه العملية ماتقدم من أوهام، واسقطت من ثم ما بني عليها، اربكت "السلطة" الأسلوية مثلما اربكت القيادات الاسرائيلية، وقالت للجميع:
أنه بإمكان المقاومين قلب الطاولة متى شاءوا... كما لايمكن منع الفدائيين من الوصول إلى الهدف المراد... واستطراداً، بددت التجاهل الدولي المبيت للهولوكوست الفلسطيني... فضحت اللامعقول العربي... نسفت أوهام فرض السلام الإسرائيلي... وئدت وهم شطب قضية شعب ومزاعم القدرة على إنهاء صراع من طبيعة الصراع العربي الصهيوني... قفزت على أوهام البتراء... ذهبت بوهم الحرب الأهلية المرادة أن تقع فلسطينياً... وقالت: أنها، أي مثل هذه العملية، هي الاستفتاء الوحيد الجائز على الثوابت الوطنية الفلسطينية... قالت أنها هي الوثيقة الشعبية الحقيقية، وفصل الخطاب بين من يقاوم ومن يساوم أو يستسلم...عدّلت البوصلة التي إنحرفت وأعادت الاعتبار للرصاصة الأولى... للبدايات النضالية، لهويتي بندقيتي... للأرض بتتكلم عربي... وحيث طلع فدائيو عملية "كرم أبو سالم" من جوف الأرض الفلسطينية الحنون الوحيدة عليهم، والحاضنة الوحيدة لتوقهم وأحلامهم، قالوا:

إن الإرادة الوطنية بخير، وهي كما هي دائماً، تليق بشعب صعب المراس من شيمه أنه دائماً في المنعطفات المصيرية يفاجىء الأعداء والأصدقاء... وطرحت سؤالاً خطيراً لايفهم مدى خطورته أحد أكثر من الاسرائيليين:

هل سيسهم عناد الدم الفلسطيني المتحدي في استعادة إرادة أمة كاملة مغيّبة... وعندما تستعاد، أو توقظ إرادتها، وهي الكامنة لا المفقودة... ترى كم ستبدد من أوهام؟؟!!

...الرصاصة الأولى قالت: لسنا مجرد شعب لاجئين... وعملية "كرم أبو سالم" تقول: نحن مناضلون من أجل الحرية ولسنا، كما تزعمون، إرهابيين!!!

كشفت عملية "كرم أبو سالم" عن عناد، مثابرة، جرأة، تخطيط ،دقة تنفيذ، قدرة على التمويه، ومقدرة على استخدام أقصى ماتوفر من القدرات البدائية، وبفعالية قياسية غير مسبوقة... لعلها كشفت عن عبقرية حرب الشعب من قبل شعب أعزل في مواجهة حرب قوة غاشمة تختضر في ذاتها قوة غرب بأكمله... والآن هاهي اسرائيل في حالة تكشف فيها بنفسها عن ضعفها، رغم أنها تبدو في أوج قوتها، وأوج دلالها الدولي، حيث يتكالب أغلب العالم ممثلاً في الرباعية، وكوفي عنان الأمم المتحدة و مجلس أمنها الذي لم يوافق على مجرد المطالبة بوقف إجتياح غزة، وجاك شيراك، وسولانا الإتحاد الأوروبي، وحتى بعض العرب، وقبل الجميع و بعدهم كونداليسا رايس... من أجل ماذا؟
من أجل التوسط لإستعادة الأسير جلعاد شاليت لدبابته... وحيث يعتبر الناطق باسم البيت الأبيض أن اصطياد المحتلين للأطفال والحوامل والمصطافين على شواطىء غزة دفاعاً عن النفس، وأن الجندي جلعاد ما هو إلا "رهينة" معتدى عليها، ويجب إطلاق سراحه "فوراً"... وأخيراً، ومن أجل إطلاقه سراحه، أو الهدف الذي أقام الدنيا ولم يقعدها... وحتى لايتم تهريبه "إلى السودان"! كما لا يستحي الاسرائيليون من زعمه، يتم تدمير الجسور ومحطات الكهرباء والمياه والمعامل والمكاتب والبنى التحتية المختلفة في غزة... ويتناسى هذا العالم الباحث عن جلعاد شاليت، الذي أسر وهو يتمترس خلف مدفع دبابته، ما يقارب عشرة الآف أسير فلسطيني، من بينهم أطفال ونسوة يلدن خلف القضبان... بل شعب بكامله رهن الإختطاف و الاعتقال في بانتوستانات محاصرة ناهيك عن اختطاف وطنه بكامله... وأخيراً خطف لا أسر سلطة أوسلو، عبر اعتقال خمسة وستين من شخصياتها، وزراء ونواب ورؤساء بلديات، والحبل على الجرار... بل وحيث تلاشت حميمية البتراء، سجن رئيسها ضمناً في معتقل غزة الكبير... "حتى يعود جلعاد شاليت إلى بيته"، كما قالت تسبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية... مع أن الاعتقالات المشار إليها كانت، كما كشفت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، خطة مبيتة صادق عليها مستشار الحكومة الاسرائيلية القانوني قبل أسابيع من عملية "كرم أبو سالم"... مشكلة الإسرائيليين أنه بعد أسر شاليت، ورغم "أمطار الصيف" الإسرائيلية، تم أسر مستعمرين اثنين في الضفة المحتلة، عثر على جثة أحدهما قتيلاً، ثم أعلن عن أسر جندي إسرائيلي آخر هناك...!

... إنهم يريدون احتلالاً مريحاً، مغطى مادياً ومعنويا و دولياًً، أو مكفولاً ومدفوع الأجر غربياً، إحتلال لأرض بلا شعب، وإن وجد هذا الشعب صامداً رغم أنفهم على أرضه، فالمطلوب منه أن يكون مسالماً أو مستسلماً وهو يذبح، حيث أسيره عندهم إرهابي وأسيرهم لديه مخطوف...ومع كل ذلك:

اسرائيل تكشف اليوم عن ضعفها... رغم محاولاتها التغطية على ذلك بتوسيع أزمتها وتصديرها إقليمياً، أو كما تفعل راهناً هروباً إلى الأمام في مواجهتها لهذه الأزمة، وذلك بتهديد سوريا، وحشد قواتها على الحدود اللبنانية... ونقول ضعفها، لاسيما إذا ما تذكرنا السؤاليين التاليين:

ما الذي لم تفعله إسرائيل بعد بالفلسطينيين؟!

وما الذي بإمكانها أن تفعله أكثر؟!

... بلغت القوة مداها ووصلت حدها الأقصى، ولم تعد تهديداتها بذي بال بالنسبة لشعب اختبرها و يكابد وحشيتها يومياً...ترى ماذا لديهم أكثر من طائرات الفانتوم والأباتشي ودبابات البتون والمركفاه، وصواريخ الطائرات بلا طيار... والقنبلة النووية... على سبيل المثال، فشلوا في تحويل "بيت حانون" إلى "مدينة أشباح"، كما أعلنوا، لأن أهلها لم يستجيبوا لإنذاراتهم وقذائفهم وما تقدم مما هو لديهم من آله حرب رافضين مغادرتها... في "كرم أبو سالم" بلغت عقلية "الغيتو" و عقدة عدم الاطمئنان إلى مستقبل كيان قام على الاغتصاب قمة حالتها المرضية القاتلة... أما الفلسطينيون فإجتازوا فيها مرحلة الصمود إلى حيث التحدي... إنها الحرب العدوانية الإسرائيلية الشاملة ومقاومتها الأسطورية الضرورة أو التي لا خيار للفلسطينيين سواها... بقي أمر واحد طال إنتظاره و هو أن تفتح ثغرة في جدار الصمت العربي، مثلما فتحت ثغرة في جدار الحدود المنتصب بين الرفحين المصرية والفلسطينية!