بعض المصطلحات لا تثير الدهشة بل الشفقة على التكوين الفكري الذي يقودنا نحو مساحة من المجهول .. وإذا كان "الإسلام المعتدل" صيغة برزت تحت إطار "الوسطية" فإنها في نفس الوقت تظهر كم التناقض الذي يمكن أن ينشره التعامل بهذا النوع من التحيز للمصطلح.

ربما وبعيدا عن كونه دينا فإن الإسلام ثقافة اجتماعية، وكغيره من الأنظمة الفكرية يمكن أن يُحمل كل الاعتدال أو التطرف .. الحديث عن الليبرالية أيضا يدخل ما بين أقصى التطرف والتكوين السياسي المعتدل ... ووهم "الإسلام المعتدل" يقارب إلى حد كبير الحديث عن حياة بلا تطورات ومن دون حركة .. إنه أشبه بالموت ...

والمسألة هي فهم الإسلام كحالة ثقافية إضافة لما يحويه من تكوين تعبدي، وفي إطار هذه الثقافة لا بد أن نواجه أشكالا وآليات متعددة، وهذا الأمر يعود لحيوية هذه الثقافة وأساليب تطوير وحماية نفسها.

ربما علينا العودة إلى ظاهرة معاصرة هي من أوائل مظاهر "التطرف" عندما قتل سليمان الحلبي القادم من الشام القائد الفرنسي كليبر في فرنسا ... ومهما كان موقفنا من هذا الحدث لكنه يعبر عن حالة تطرف غايتها الدفاع عن الذات في مواجهة ثقافة وافدة ...

ما يسمى بالتطرف الإسلامي هو استخدام آليات خاصة للدفاع عن الثقافة، بدلا من التعامل مع الارتقاء بهذه الثقافة أو تحفيزها للمشاركة في حركة الحياة .. وعندما نصل إلى تصنيفات "الوسطية" و "التصرف" و "التكفير" فإننا نحاول عمليا حشر الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي بين خيارين:

الأول حالة "المشيخة" التي تكتفي بالوعظ وتكرس حالة ماضوية، والثاني العنف الذي يحصدنا عمليا ويركز استراتيجيات دولية ضدنا ... وفي الحالتين فإن الإسلام، كثقافة وليس كدين، يصبح مُكرسا لعمليات الفصام الحضاري ...

هل ينقصنا اليوم خطب جمعة على الشاشات !!! أم أن المسألة في أن "ثقافة المشافهة" مستمرة فينا عبر المنابر المفتوحة كل يوم في حين لا يظهر في المجتمع أي صور أو تنوع آخر ... قناة "الشام" هي مرحلة جديدة في الإعلام السوري، لكننا نأمل أن تكون محطة نحو الغد وليس باتجاه الماضي، أو باتجاه اعتبار الماضي محطتنا النهائية.