الغد

ليس علينا أن نسأل الضحايا عن الصورة الأخيرة التي ارتسمت قبل أن يعلو النار مساحات في أنفاق المترو في لندن، لأن الأسئلة اتجهت منذ اللحظة الأولى شرقا حيث يعشش الإرهاب ويولد مع الأطفال، وفق صورة نمطية تم استبدالها بعد خيالات ألف ليلة وليلة التي رسمها بعض المستشرقين عنا. ورغم مرور عام على تفجيرات "لندن" لكن إشارات الاستفهام لم تعد مستوطنة في عقول الغرب، لأنها أساسا مفتاح لفهمنا أو حتى لفك العقدة المزمنة التي خلقت ربما بعد الحروب الصليبية.

صورة الإرهاب لم تعد مقنعة منذ تفجيرات لندن ... فمنفذو تفجيرات لندن رغم أصولهم "الظلامية" لكنهم تثقفوا في الغرب .. وهم اصطلاحا أبناء هذه الحضارة .. فهل كانت "ثقافة الحداثة" عاجزة عن التأثير كما فشلت في مرحلة سابقة عن إحداث التبدل داخل الشرق؟ أم ان الثقافة التراثية غير قابلة للتطويع!!

صورة "الإرهابي" وآلية مكافحته لم تعد قادرة على مواجهة الإرهاب، فهي مولدة ازمات لأنها افترضت سلفا أن "الجهاديين" هم مجرمون ومتهمون جنائيا، فأغلقت عليم في غوانتانمو وتحاول ان تغلق عليم عبر محاصرة الشرق ككل. في وقت يبدو أن الإرهاب لا يحتاج لخرائط جغرافية، بل لمخططات توزع ثقافي – اقتصادي .. ويتطلب إعادة فهم "الشرق" بمعناه الكامل وبالإساءات الموجهة إليه. فـ"الجهادي" ليس مجرما خارجا عن القانون وفق مفهوم الإدارة الأمريكية، بل هو ظرف تاريخي يرسم اليوم معالم لاستخراج التراث بنماذج حية.

عندما كان الشرق يتجه للعلمانية، كان الهم الوحيد هو تنشيط الدعوات الأصولية، حتى تحولت هايد بارك خلال عقد من الزمن لمنبر ديني ...
والشرق ليس مولد الأصولية ... فهو الذي جاهد لإحداث تغيير اجتماعي، لكن الصورة السياسية قلبته باتجاه آخر فأصبح الارتداد التراثي هو الهم الاجتماعي الأكبر.

محاربة الإرهاب لا تحتاج لإسقاط صدام حسين وقتل بن لادن ... ولا تحتاج لاعتبار حماس وحزب الله حركتي إرهاب .. فمكافحة الإرهاب لا تتم من خلال المحافظين الجدد ورسم خارطة إفناء "الشرق الأوسط الكبير" .. فهو أولا حركة حوار، وفهم لهذه الفجوة الناشئة التي غطتها مساحات الكره.

ثقافة الشرق تحتاج للحوار لإيجاد حلول واضحة لأزمة الافتراق ...
ثقافة الشرق ليست جهادية ... إنها مزيج تاريخي يحتاج لحوار عميق لدعم اتجاهه نحو المستقبل بدلا من سقوطه باتجاه العنف ..
ثقافة الحوار مع الشرق هي المفتاح لنجعل العالم أكثر أمانا وليس احتلال العراق.