هآرتس

إن إطلاق صواريخ القسام على سديروت، والهجوم على موقع الجيش الإسرائيلي في "كيرم شالوم"، أعادا إلى الحياة اليمين بكل أنواعه وأشكاله، وقوضاً تأييد الجمهور لسياسة فك الارتباط التي انتُخبت الحكومة لتنفيذها. فتأثير وسحر الخطابة الأمنية يأسران مجددا قلب الجمهور على الرغم من أن هذه الصيغة جُربت طوال أربعين عاما من الاحتلال وفشلا كليا.
لقد تضررت قوة إسرائيل وقدرتها الردعية جراء الاستخدام المفرط للقوة وليس بسبب عدم استخدام القوة. فتصميم الفلسطينيين وقدرتهم على الصمود تزايدا مع ازدياد وضعهم سوءاً. ويتعين الاعتراف بأن كل الوسائل العسكرية التي استخدمتها إسرائيل أوجدت وسائل لا تقل إبداعية وإيلاما ـ العمليات الانتحارية، اطلاق القسام، الأنفاق ـ نجحت في إثارة قلق واستنزاف الدولة الأقوى في الشرق الأوسط. ولا يوجد شيء يبعث على الضعف أكثر من الشعور بتضييع الطريق والهدف.
ربما كان من السذاجة بمكان الافتراض أن الانسحاب من غزة، بحد ذاته، سيُقنع الفلسطينيين أن نهاية النزاع باتت مرئية. لكن الفلسطينيين يواصلون النضال ضد الاحتلال والمستوطنات، وهذه المستوطنات تتواجد بكل زُخرفها في الضفة، حتى وإن كان من الصعب الموافقة على إطلاق صواريخ القسام كوسيلة معقولة لتحسين ظروف حياة ومستقبل سكان غزة.
في هذه الأيام يتعين أن نتذكر مجددا ـ وكان من المناسب لو أن رئيس الحكومة وجد الوقت والجرأة على فعل ذلك ـ أنه ليس أمام إسرائيل من خيار طويل الأمد سوى الانسحاب من المناطق الفلسطينية ومن الاحتلال. وعلى الرغم من أن المس بالسيادة الإسرائيلية بواسطة صواريخ القسام هو أمر لا يُحتمل، ويجب على إسرائيل العمل لإنهائه، إلا أن المشكلة، مهما كانت خطيرة، هي مشكلة تكتيكية في جوهرها. فهي لا تشكل سببا للعودة إلى غزة، والعودة إلى غزة لا تُعزز سيادة إسرائيل ولا تعزز قدرة ردعها. ومن شأن إسقاط حكومة حماس التسبب في فوضى عارمة في الجانب الفلسطيني وردع الفلسطينيين عن إجراء انتخابات في المستقبل، آخذين في الاعتبار حقيقة أن إسرائيل والعالم العربي لا يحترمان نتائجها.
يمكن التحلي بالأمل في أن تؤدي الأزمة الراهنة تحديدا إلى حصول مفاوضات لإنهائها، تشمل وقف إطلاق النار على سديروت. وفي جميع الأحوال، وهذا ما يجدر أيضا تذكره بين الفينة والفينة، المصلحة الإسرائيلية تقتضي أن يعيش الفلسطينيون حياة رفاهية وازدهار لا أن يعيشوا حياة جوع ومهانة، لذلك لا يوجد شيء أكثر حماقة من تدمير البنى التحتية وقصف محولات الكهرباء، بينما يقترح وزير الطاقة والكهرباء على الحكومة ترميمها في صبيحة اليوم التالي.
إن إنهاء الاحتلال ما زال يشكل هدفا يتعين على كل تكتيك يُعتمد في الأزمة الراهنة أن يقود
إليه. وبدل خطاب الدم والنار الذي يصدر عن كل وزراء الحكومة وأعضاء المعارضة، يتعين على القيادة أن توحي بأنها تعرف إلى أين تسير.