صالح النعامي

كان عدنان ( 36 عاماً )، الموظف بإحدى الدوائر المدنية في السلطة الفلسطينية يحرص على عدم تفويت أي برنامج حواري تبثه محطات الإذاعة المحلية ويتناول الأوضاع الفلسطينية الداخلية، إلا ويشارك فيه لكي يوجه انتقاداته اللاذعة للحكومة الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنية لتأخر دفع الرواتب للموظفين.

لكن لعدنان الآن رأي آخر مخالف تماماً، و منذ تنفيذ عملية " الوهم المتبدد "، التي نفذتها حركات المقاومة، و التي قتل فيها اثنان من جنود الاحتلال وأسر آخر، وما تلاها من ردود اسرائيلية قاسية، يحرص على القول أنه يتوجب الوقوف بقوة خلف حكومة اسماعيل هنية. ويرى عدنان أن هذه العملية ما كان لها أن تتم بدون قرار سياسي اتخذته حكومة هنية.

ومثل عدنان، فأن عبد الله، احد المدرسين الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ حوالي اربعة اشهر، قد غير رأيه، وأصبح لا يتردد في التعبير عن تأييده لحكومة حماس. ويضيف عبد الله أن الذي كان يثير غضبه ازاء حركة حماس وحكومتها، أنها كانت من جهة ضد التفاوض مع إسرائيل وتتبنى مواقف متطرفة، ومن جهة أخرى قد أوقفت عملها المسلح ضد دولة الاحتلال، الأمر الذي معه فقد هو والكثيرون ممن يعرفهم المبرر للصبر على الضائقة الإقتصادية التي حلت بالفلسطينيين مع تشكيل هذه الحكومة.

التحول في موقفي كل من عدنان وعبد الله من الحكومة الفلسطينية الحالية هو ظاهرة عامة تميز الكثير من الفلسطينيين في الوقت الحالي. وواضح تماماً أن قيام اسرائيل باختطاف وزراء الحكومة الفلسطينية ونواب حركة حماس في المجلس التشريعي في الضفة الغربية، وتهديدات جيش الاحتلال بتصفية هنية وكبار وزرائه في قطاع غزة قد ساعد ليس فقط في استعادة الحركة لشعبيتها، بل زيادة التأييد لها في اوساط جماهيرية لم تكن تؤيد حماس من قبل. إبراهيم ( 28 عاماً )، أحد منتسبي الأجهزة الأمنية يقول أنه لم يصوت لحركة حماس في الانتخابات الأخيرة، لكن تصدي الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس للمواجهة الحالية مع اسرائيل من أجل محاولة اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال جعلته يؤيد بحماس كبير هذه الحكومة وجهودها.

وإلى جانب ذلك، وعلى الرغم من الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يتعرض لها الفلسطينيون في ظل الحصار الشديد الذي تفرضه إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم الحرب الشعواء التي تشنها آلة الحرب الإسرائيلية، فأن الكثير من الفلسطينيين يرون أن المواجهة الحالية مع دولة الاحتلال كان لها تأثير ايجابي على العلاقات الداخلية الفلسطينية.

ويشير ماجد المحاضر الجامعي الى أن الوضع الفلسطيني الداخلية كان بالغ القتامة قبيل المواجهة الحالية، مستذكراً الاشتباكات التي نشبت بين حركتي فتح وحماس والتي كادت أن تؤدي الى نشوب حرب أهلية فلسطينية. ويضيف أن المواجهة مع اسرائيل وتوحد الفصائل الفلسطينية في المعركة الهادفة لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، أدت الى إنهاء حالة التوتر الداخلي، مشدداً على أنه مهما كانت خسائر الفلسطينيين كبيرة في المواجهة مع الاحتلال، فأنها تبقى أفضل ألف مرة من تواصل التناحر الداخلي بين الفصائل الفلسطينية. نهاد الشيخ خليل الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني يحذر من التقليل من تأثير الوضع الإقتصادي المتدهور للفلسطينيين، لكنه يؤكد في نفس الوقت أن عملية " الوهم المتبدد " النوعية، أثبتت للرأي العام الفلسطيني أن لحركة حماس وحكومتها ثمة أفق، الأمر الذي دفع الجمهور الفلسطيني للالتفاف حول هذه الحكومة.

ويشير الشيخ خليل إلى أن الذي زاد من ثقة الفلسطينيين بالمقاومة، هو المعركة حامية الوطيس التي خاضها الفتى الذي ينتمي الى " كتائب شهداء الأقصى "، الجناح العسكري لحركة " فتح " في مقبرة مخيم " بلاطة " للشرق من نابلس، والتي امتدت ثمانية عشر ساعة متواصلة، مشدداً على أن ذلك كان له بالغ التأثير على استعادة الفلسطينيين لرهاناتهم على المقاومة.