يدعيوت أحرونوت

سيفر بلوتسكر

منظمتان لا تعترفان بوجود اسرائيل شنتا عليها حربا: حماس السنية في الجنوب، وحزب الله الشيعي في الشمال. والمنظمتان متجذرتان في منطقتين انسحبت منهما اسرائيل من طرف واحد، لبنان وغزة. المنظمتان اختطفتا جنود من الجيش الاسرائيلي من الاراضي السيادية لدولة اسرائيل وتخفيانهم في مناطق تحت سيطرتهما. وعلى رأس المنظمتين يقف زعيمان كرزماتيان، مثيران للحماسة وسط الجماهير، ويهزآن علنا بالقدرات العسكرية وبقوة الصمود المدني لاسرائيل.
اذا ما خرج هذان من المواجهة متفوقين، اذا ما تمكن قادة حزب الله وحماس في نهاية هذه الجولة من رفع اشارة النصر وعن حق، فسيبدأ العد التنازلي للمشروع الصهيوني برمته.
ليست هذه منافسة في لي الأذرع أو بالرجولية المزيفة. هذا حسم مصيري: الانتصار على اسرائيل، حتى من النوع الرمزي ـ الدعائي، من الحركتين الاسلاميتين المتطرفتين، اللتين ترفعان راية الدعوة لتصفية دولة اسرائيل، سيطلق العنان في شوارع الشرق الاوسط برمته. اما منع مثل هذا الانتصار فهو فرض مطلق، غير قابل للمساومة.
كلنا نصدق رئيس الحكومة عندما يقول "لا": لن نسلم باختطاف الجنود، لن نمر مرور الكرام على صواريخ القسام والكاتيوشا، لن نستسلم للابتزاز. هذه "لا" حازمة جدا، مصممة ومقنعة. وعندما يقول اولمرت "لا" فهو يقصد ذلك.
ولكن ما هي الـ"نعم" لديه؟ فـ"لا" بحد ذاتها ليست سياسة او طريق. وبعد "لا" يجب ان تأتي "نعم". يجب أن يأتي منظور للمستقبل. الـ"لا" تحدد فقط حدود الساحة، وليس ما يجري داخلها او خارجها. وبالنسبة للـ"نعم" عندنا ارتباك كبير.
هل الهدف هو الشروع في حرب استنزاف طويلة المدى في نهايتها تحطيم السلطة الفلسطينية وحكومة لبنان؟ هذا ممكن، وليس بالذات مرغوبا فيه. هل الهدف هو إخضاع المنظمتين ودفعهما الى التذلل لوقف النار من موقع ضعف؟ هذا مرغوب، لكن ليس بالذات ممكنا. الضربات القاتلة لمنظمة ارهابية لا تضعفها دوما، بل احيانا تقويها.
هل المقصود هو اعادة احتلال قطاع غزة ومنطقة الحزام الامني في لبنان؟ العودة الى النبطية وجباليا، هل يشتاق أحد لذلك؟ ولعل الاستراتيجية أكثر تركيبا: ممارسة الضغط على التجمعات السكانية الشيعية في لبنان كي تمارس الضغط على بيروت لتمارس الضغط على دمشق لتمارس الضغط على طهران لتمارس الضغط على حزب الله ليمارس الضغط على حماس؟ نظرية الضغوط المتسلسلة هذه سبق لاسرائيل أن جربت تطبيقها في الحملات الكبرى في جنوب لبنان في التسعينيات، دون جدوى.
حكومة اولمرت علقت دون اختيارها في حرب عسيرة على جبهتين ارهابيتين فيما ان شعبيتها في الحضيض وخبرتها في نظر المواطنين متدنية جدا. والتلويح بالسيوف اللفظية لن يرمم الخبرة، مثلما لم يرمم قدرة الردع. وكلما تعمقت الفجوة بين التبجح على نمط "سنريهم، سنضربهم، سنفعل لهم" وبين الفعل على الارض، هكذا سينكشف البطن الرخو لاسرائيل. والخيار هو اغلاق الفجوة بين الاعلانات والافعال او اغلاق الفم المتبجح. الحديث بهدوء، الحديث بقلة، الحديث بصدق: من حق مواطني اسرائيل ان يعرفوا الى أين تقودهم الحكومة قبل أن تمنحهم الضحايا والمعارك الثقة المحدودة جدا.