حسن نصر الله: "تصفية حساب" أخرى... أم "حرب بالوكالة"؟!

بدأ هذا الأسبوع وكل العيون والعدسات وبؤر الضوء العالمية مركزة على قطاع غزة، حيث يعربد جيش الاحتلال الإسرائيلي بزعم العمل على تحرير جنديه المأسور "جلعاد شاليت" مُحولاً بيوت ومرافق المدنيين العزل في غزة إلى ميدان رماية مكشوف. وفي وقت كانت فيه تطورات التجاذب الدولي حول ملف إيران النووي هي حديث الساعة، استيقظ الجميع فجأة صباح الأربعاء الماضي على فرقعة القذائف والتفجيرات والقصف، في "وصلة" جديدة من العنف الطليق على طول نقاط التماس بين لبنان والإسرائيليين. ومع أن المبادرة بهذه العملية الهجومية المسماة "الوعد الصادق"، والتي أسفرت عن قتل ثمانية جنود إسرائيليين وأسر اثنين -قيل إن أحدهما قريب لمسؤول إسرائيلي كبير- جاءت من مقاتلي "حزب الله" اللبناني، وبضوء أخضر من زعيمه الشيخ حسن نصر الله، الذي قال إن هدفها تحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، إلا أن استمرار عملية "أمطار الصيف" الإسرائيلية على غزة، وتداخل الملفين اللبناني والفلسطيني، واختلاط الأوراق والتحالفات بينهما، واعتقال إسرائيل لوزراء ونواب من حركة "حماس" الفلسطينية الحاكمة، كل ذلك أربك فهم المراقبين من بعيد لمفردات وخلفيات وأبعاد المشهد في المنطقة. فما هي الأهداف الحقيقية لهجوم "الوعد الصادق"؟ وما هي احتمالات وحسابات الربح والخسارة فيه، لبنانياً وفلسطينياً وإقليمياً؟ وقبل هذا وذاك، من هو حسن نصر الله نفسه، الرجل والأعمال والخلفيات؟

ولد حسن نصرالله عبدالكريم نصرالله يوم 31 أغسطس 1960 في حي الكرنتينا الفقير بالضواحي الشرقية لبيروت، من أب كان محسوباً على التيار القومي السوري، ويعود في أصوله إلى بلدة البازورية في جنوب لبنان. وكان حسن نصرالله هو الأكبر سناً بين 3 أشقاء و5 شقيقات، وأنهى دراسته الابتدائية في مدرسة "الكفاح" الخاصة ببيروت، وجزءاً من المتوسطة في "الثانوية التربوية" بمنطقة سن الفيل. ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 اضطرت أسرته للنزوح إلى بلدتها الأصلية البازورية، التي أكمل فيها تعليمه الثانوي، والتحق في سن مبكر بالجهاز الحزبي لحركة "أمل" الشيعية. وبسرعة تدرج في المناصب التنظيمية، وحين تعرف أواخر 1976 على الشيخ محمد الغروي في صور زوده بتوصية ليسافر إلى مدينة النجف العراقية حيث المقر الأهم للمؤسسة الدينية الشيعية (الحوزة)، وهناك تلقى دروساً دينية مدة سنتين، وتعرف على رجال دين مثل محمد باقر الصدر، وخاصة عباس الموسوي البقاعي زعيم حركة "أمل" اللبنانية الذي تحول بسرعة إلى شيخه وملهمه الأول. وفي سنة 1978 عاد إلى لبنان والتحق بمدرسة دينية أسسها الموسوي في بعلبك، إلى جانب تحوله إلى قيادي في الجهاز التنظيمي لـ"أمل" في منطقة البقاع. ومع اندلاع الثورة الإيرانية بدأ الشرخ يظهر في صفوف هذه الحركة بين تيارين، أحدهما ذو ميول إيرانية ويريد استلهام أطروحات الخميني، والآخر يفضل البقاء في سياقات المشهد الداخلي اللبناني، وفي حين مال الموسوي وتلميذه نصرالله في الاتجاه الأول، مال تيار نبيه بري في الاتجاه الثاني. وكان الافتراق نهائياً بين التيارين مع الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982، حين انضم بري إلى هيئة "الإنقاذ الوطني" اللبناني بزعامة بشير الجميل، في حين أعلن الموسوي عن تشكيل "حزب الله". وانتقل نصرالله سنة 1985 ليستقر نهائياً في بيروت، حيث مازال يعيش الآن في دارته بضاحيتها الجنوبية (مع زوجته فاطمة ياسين وأبنائه الأربعة محمد جواد وزينب ومحمد علي ومحمد مهدي، علماً بأن إسرائيل اغتالت ابنه البكر هادي). وفي الفترة من 1982 إلى 1989 ظل نصرالله هو رجل المهمات التنظيمية في "حزب الله"، وخلال سنتي 1989 و1990 استقر في قُم بإيران. وعاد ليخرج من الظل وليستلم نهائياً زعامة الحزب بعد اغتيال إسرائيل لزعيمه السابق عباس الموسوي يوم 13/2/1992. ومنذ ذلك التاريخ دخل نصرالله في مواجهات عديدة مع الجيش الإسرائيلي، أبرزها "حرب تصفية الحساب" في يوليو 1993، و"عناقيد الغضب" في أبريل 1996، وانتهاء بمقدمات الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو 2000. ومنذ ذلك التاريخ والاحتكاكات بين مقاتلي نصرالله والجيش الإسرائيلي شبه يومية على خلفيات وأسباب مختلفة أبرزها قضية مزارع شبعا، ومسألة الأسرى، لتبلغ ذروتها الآن في حرب "الوعد الصادق" الحالية.

والملفت، من وجهة نظر بعض المراقبين، في المواجهة الحالية هو دوافع اختيار نصرالله لهذا التوقيت بالذات. والتفسير الأكثر شيوعاً هو أن "حزب الله" أراد بمهاجمة إسرائيل الآن من الجبهة الشمالية إيجاد تخلخل قطاعي في جيشها تخفيفاً للضغط على "حماس" وغزة، ولتبديد الجهد الإسرائيلي في عملية "أمطار الصيف"، وأيضاً لمبادلة أسرى "حماس" والأسرى اللبنانيين بالجنديين الأسيرين. ولكن تزامن العملية نفسها مع اجتماع الدول "الثماني" حيث كان يفترض أن يحسم موضوع ملف إيران النووي، فرض ربطه أيضاً، لدى كثير من المراقبين، بهذه التطورات الصاخبة المفاجئة، خاصة أن "حزب الله" لا يخفي تحالفه وصلاته مع طهران، مذهبياً وسياسياً أيضاً، وبالتالي فقد لا يكون من الشطط تالياً القول إنه معني كذلك بـ"تخفيف الضغط" عنها هي الأخرى، حتى لو اقتضى ذلك خوض "حرب بالوكالة". أما الرد الإسرائيلي الأهوج بتدمير مرافق البنية التحتية اللبنانية، فالأرجح أنه جاء لتعزيز عوامل الاستياء في صفوف اللبنانيين من ممارسات "حزب الله" الفردية، و"انفلات سلاحه"، خاصة أن الموسم السياحي والاقتصاد اللبناني المترهل هما من دفع ثمن هذه العملية غالياً. وليس مستبعداً أيضاً أن قوة الرد جاءت لرفع العتب الداخلي الإسرائيلي عن رئيس الوزراء "أولمرت" وهو رجل مدني أدى خدمته العسكرية محرراً في صحيفة الجيش، ووزير دفاعه الرجل النقابي "عمير بيريتس" الذي لم يتجاوز في سلك الجندية رتبة نقيب.

ومهما تكن الدوافع، والأسباب الحقيقية، والخلفيات، فإن عملية "الوعد الصادق"، أعادت نصرالله إلى بؤرة الأضواء مجدداً، وأعادت المنطقة برمتها إلى عين العاصفة كذلك. وما يخشاه كثيرون اليوم هو أن يدفع زخم هجمات "حزب الله" بصواريخ الكاتيوشا التي ضربت العمق الإسرائيلي في نهاريا ومعالي ترشيحا وكرمئيل وصفد وضواحي عكا وحيفا عند منحدرات جبل الكرمل، القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى "تطوير" العملية الحالية براً في العمق اللبناني، لاستئصال "الحزب" في "عملية جراحية" قد تعيد إلى بلاد الأرز مشاهد وصوراً عنيفة أخرى كتلك التي عرفتها في صيف 1982؟!