محمــــد ح. الحـــــاج

بعد حرب العام 1948 عام إعلان دولة الكيان اليهودي الغاصب ، لم تقم حرب حقيقية أو معركة على أرض فلسطين المحتلة ، ما أقصده أن مراكز التجمعات الاستيطانية الصهيونية لم تتعرض للضرب أو الدمار، كان ذلك ما حرصت عليه القيادات الصهيونية المتوالية ، مع وقوف دول العالم المساندة والداعمة لهم عبر سنوات الصراع المرير ، لقد كانت تقوم المعارك بمبادأة صهيونية لتنقل المعركة فوراً باتجاه بعيد إلى أرض كيانات جيوش المواجهة، وهكذا ، في معادلة مواجهة جيش لجيش ، وفي حين امتلك الصهاينة وبشكل دائم القوة النوعية في التسلح، والذراع الطويل لضرب التجمعات المدنية أو العسكرية في العمق، لم تتوفر لقوى دول المواجهة الوسائل الكافية لضرب تجمعات الصهاينة شبه العسكرية أو حتى العسكرية منها في العمق ( التزمت كل الدول المصدرة للسلاح أمام المنظمة الماسونية العالمية بعدم توفير أي سلاح هجومي لأي من الدول العربية ) وهذا ما أنتج قناعة لدى المستوطنين والغزاة الصهاينة أنهم في مأمن وأدى إلى المحافظة على روح معنوية – عدوانية عالية تقف خلف جيش مجهز بأحدث ما تتوصل إليه تقنيات الغرب، وتقف هذه خلفه ، بذلك اكتسب شهرة تقول أنه جيش لا يقهر ولم تتحطم هذه الأسطورة بشكل كلي وإنما اهتزت بشكل خطير في حرب العام 1973 حيث كانت المبادرة للقوة السورية – المصرية ، دعمها موقف عربي متضامن إلى حد بعيد ، للأسف لم يتكرر .

الدول الكبرى سارعت إلى تنبيه الدول المشاركة في الهجوم على مراكز الجيش الصهيوني – حتى على الأرض المحتلة بعد العام 1967 – بضرورة تجنب ضرب التجمعات المدنية برغم عدم وجود مثل هذه التجمعات في الأراضي المحتلة ولو أنها تأخذ الشكل المدني ، لكنها مجتمعات تتكون من خليط من العسكر الفعليين – للحراسة ، والبقية هم في الاحتياط ، حتى النساء ، والمعلوم أن المجتمع الصهيوني هو مجتمع عسكري بدرجة عالية ويعيش في شبه ثكنة ، ويصح القول فيه : أن جيشاً قد أنشأ دولة ، فهي دولة لجيش ، وليست كباقي دول العالم يصح فيها القول أنها دولة تمتلك جيشاً . وهكذا فإن دول الطوق لم تبادر إلى ضرب العمق الصهيوني لأكثر من سبب ومنها :

*- عدم القدرة الكافية للعمل على أكثر من جبهة المواجهة، وانحصر ذلك في التعامل مع قوى العدو بحيث كان الصراع رد فعل ، وليس فعل ( باستثناء حرب تشرين طبعاً ) وهذا ما أنتج قناعة تراكمت لدى ما يمكن تسميته بشعب الداخل الصهيوني - أنه في منأى عن الخطر وعليه أن يتفرغ لدعم مواقف الجيش ، والكل يعلم أن الصهيوني يبادر إلى الالتحاق بوحدته المقاتله فوراً ودون معوقات فهو يعرف أين سلاحه ومعداته وهكذا .

*- افتقار قوى المواجهة إلى القدرة على حماية جميع المنافذ والطرق التي أمكن للعدو أن يسلكها أو يتسلل عبرها ( وخاصة جواً ) لضرب التجمعات والمنشآت وحتى المدن البعيدة في دول المواجهة ، وأيضاً دول الدعم المباشر ، أو غير المباشر ، وبذلك تمكن العدو من إلحاق أذى كبير وحقق ضربات مؤلمه ، لم يكن بيد جيوش دول الطوق منعاً لها ، ساعد الجيش العدو في ذلك دول العالم الغربي التي تدعمه وتحرص على تفوقه ، وتسخير جيش دولي لجمع المعلومات عن عدوه ، وهكذا تولدت لدى بعض قيادات المنطقة قناعة بعدم جدوى استمرار الصراع واستسهلوا الرضوخ لمطالبه الظاهرية في الاعتراف وتحقيق ما أسموه سلاماً، كما خضعوا إلى شروطه السرية الكثيرة وأهمها : عدم الوقوف أو مساندة أطراف أخرى لم تعترف به، ولم توقع معه سلاماً هو في حقيقته استسلام بالمعنى التام .

لن نناقش الأسباب الأخرى ، وإنما وانطلاقاً من هذا الواقع نقول أن المعادلة أصبحت على النحو التالي :

*- الجيش الصهيوني لا يمكنه قبول أي اعتراض لقراراته، أو ضرب مواقعه، أو حتى مجابهته في حالات يدعي فيها ملاحقة ما يسميه " إرهاب " – كما فعل في تونس - هذا " الإرهاب " في حقيقته ممانعة، وحتى مقاومة فعلية للاحتلال ، وكان في كل مرة يستخدم البطش والقوة الساحقة للحفاظ على هذه السمعة ( الهيبة ) والتي كاد يفقدها في حرب تشرين حيث عملت الولايات المتحدة جاهدة بمساعدة حلفها الأطلسي وأتباعها، وعملاؤها ونجحت في إفراغ حرب تشرين من مضامينها ونتائجها وحولتها إلى شبه هزيمة عربية ودفعت بمصر عبر الضغوط والرشاوى والوعود الخادعة إلى الخروج من المعادلة ، ثم ألحقت بها الأردن ، وقبل ذلك أعادت الروح لجيش العدو وزودته بما لم يمتلكه جيش الولايات المتحدة ذاته ، كما توصلت عبر دهاليز سرية وسماسرة إلى ترويج قناعة الاستسلام لدى بعض قادة منظمة التحرير، ... ولا نسيء الظن فقد تم التغرير بهم أكثر مما يعتبر ذلك تواطؤاً وكان دافعهم هو اليأس والقنوط من الموقفين المصري، والأردني ، وتخاذل عربي بشكل عام، وانهيار جدار الدعم العالمي ، الأفريقي بسبب " سلام مصر" ، والإسلامي ... - بعضه فقط - لنفس السبب مضافاً إليه " السلام الأردني " والسكوت الضمني للسعودية .

* - من بقي من دول الطوق لا يملك القدرة على شن أي حرب منفرداً ضد هذا العدو ، فقد تضامنت دول العالم وخاصة الغرب لتمنع أي إمدادات جديدة بالسلاح لسوريا وخاصة بعد اتفاقيات السلام المزعومة، وامتنعت دول الشرق لأسباب أخرى منها الضغوط ، ومنها تراكم الديون، ومنذ الأساس لم تكن تقدم لسورية ما هو متطور من العتاد الذي يتماشى واحتياجات الهجوم ، أو يتعادل مع مستجدات التطور التقني الغربي والذي يتزود به الجيش الصهيوني قبل جيوش الدول المنتجة للسلاح ذاته وهي جيوش أمريكا وبريطانيا، عدا عن أن الولايات المتحدة تستثمر المليارات في إقامة منشآت تنتج أحدث نماذج الأسلحة، بل ويتم تطوير المنتج الأمريكي ذاته في مصانع ومراكز أبحاث مقامة على أرض فلسطين المحتلة وهذا ما يثبت مقولة أن المشروع هو مشروع استثماري بالدرجة الأولى .

* - على قاعدة فرض هيبة الأمر الواقع، وبعد أن تكفلت أمريكا باستعادة هيبة هذا الجيش خصوصاً عن طريق رشوة بعض الأنظمة أصبحت المعادلة تقضي بأنه ( الجيش الصهيوني ) سيد الموقف وصاحب الكلمة الوحيد – طبعاً على مستوى الأنظمة ، وتم الترويج بكثافة لهذه المعادلة ، وانطلاقاً من هذه القاعدة وباختصار ...، وجه الكثير من الضربات للمقاومة الفلسطينية، ودمر مفاعل تموز في العراق ، واجتاح لبنان أكثر من مرة وصولاً إلى احتلال بيروت .

بيروت حاضنة الشعور القومي ، ومسقط رأسه ، لم ترضخ فانطلقت شرارة المقاومة القومية سريعاً بطلقات معدودة ، وتطورت إلى أن صرخ الجيش العدو ... أوقفوا إطلاق النار فنحن نغادر بيروت ، لكنه أقام شريطاً أمنياً مستخدماً الكثير من العملاء والكل يعلم تسلسل الأحداث فيما بعد .

بعد حرب الخليج الثانية ، وما أتفق على تسميته ، تحرير الكويت ، استكملت الولايات المتحدة المرحلة الأولى من لعبتها ، دمرت جيش العراق بشكل كبير ، وأدخلت الكثير من دول العالم في تلك اللعبة تحت قيادتها ، ثم أقامت قواعدها على أراض عربية ، وسحبت أرصدة دول المنطقة الخليجية وربطت بعضها باتفاقات عسكرية واقتصادية لمائة عام ، .. بل ربما إلى الأبد في الحقيقة ، وفي هذه الأثناء ضغطت على تابعها في فلسطين فألزمت دولة الجيش بعدم الرد على ضربات الجيش العراقي ضماناً لاستكمال اللعبة ، وحصل هذا التابع على نصيب من الأرباح، وأحدث الأعتدة ، وتمدد ، وانتفخ ، وزاد بطشه بعد توقف الحرب وتجاوز مهزلة مدريد ، ووصول نتائجها إلى الصفر الكبير ، لكن المقاومة في لبنان لم تتوقف ، بل تطورت بدعم عمقها القومي الوحيد ، وازدادت خسائره برغم المجازر الموصوفة التي ارتكبها في الأعوام 93 - 96 ، وهكذا خرج باراك بهذا الجيش في العام 2000 يجرجر أذيال الخيبة ، ولتبدأ معادلة التفوق ليس بالاهتزاز فحسب ، وإنما بالاتجاه نحو الهاوية ، في أعين جمهور المستوطنين الذين لم يتذوقوا طعم الحرب على حقيقتها، وفي أعين الشعوب المحيطة، هذا الأمر لا تسمح به قواعد اللعبة التي تمارسها المؤسسة الدولية – الشركة متعددة الجنسيات – فكانت لعبة الادعاء بأن العملية تمت انصياعاً للقرار الدولي 425 وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة ، ولكن ، من الصعب أن تصل هذه الحقيقة إلى كل شعوب العالم والإعلام تحت السيطرة، وبعض قيادات العالم العربي تروج لهذا التوصيف، بل لعبت دور السمسار في فرض عملية ترسيم الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان ، وعلى حساب لبنان ، مع استبعاد مزارع شبعا بسبب موقعها الاستراتيجي وقربها مما يسمى عين صهيون على سوريا ولبنان ، وهكذا تم الضخ من جديد معنوياً ، وإعلامياً وبكل وسائل التضليل لوقف انهيار سمعة هذا الجيش الذي طرد باراك من موقعه بعد ما سمي مفاوضات إسطبل دافيد وانكشاف اللعبة وتولى الأمر السفاح الأصولي جنرال الجيش اريئيل شارون الذي نجح في استعادة هيبة هذا الجيش على الصعيد الداخلي بضربه الفلسطينيين بقسوة لا مثيل لها ويشهد على ذلك مجازر جنين ونابلس وغيرها في حين وقف قادة الأنظمة يتفرجون ويروجون في أوساطهم أن الخطأ فلسطيني وأن المجموعات الراديكالية هي السبب وأن التحريض الخارجي ( السوري – الإيراني ) يقف وراء عنادها وأن قليل من القسوة كفيل بتربيتها وإعادتها إلى جادة الصواب ، وقد جاء ذلك على خلفية مشروع للسلام تقدم به أنصار وحلفاء الحل السلمي الأمريكي ..، مع ذلك وبسبب نشوة الغطرسة رفضه الجنرال السفاح .

وتستمر المعادلة المرغوبة أمريكيا – صهيونيا ً الجيش الصهيوني صاحب الكلمة - الأنظمة مطواعة وتستمر في تلقي الأوامر والرغبات ونشر الإحباط في صفوف الشعب الذي يرفض التصديق ، فإلى متى تستمر المعادلة ..؟ .

اللبنانيون لم تتوقف معاناتهم، مع مخلفات العدو من الألغام الفعلية، والبشرية ، والمقاومة سئمت من المطالبة بأسراها ومخطوفيها، بعضهم خطفته قوات الكوماندوس الصهيوني من فراشه في أقصى شمال البقاع ، وبعد أن صم المجتمع الدولي أذنيه ، وجدت أن الوسيلة الوحيدة هي خطف الجنود الصهاينة، وأنجزت خططها لتدفع بكل أصحاب الضمائر النائمة إلى صحوة غريبة ... الكل يطالب، والكل يهدد، ثم البعض يفاوض سراً لإنجاز لعبة شارك في حبكها ..( ربما بعض الظن إثم ، أو أنه من أذكى الفطن ) بعض الأنظمة العربية التي كانت تحمل رسائل التهديد والوعيد لتبرئة الذمة – إن كان لهم ذمة – ولم تكتمل فرحة أهالي الأسرى بسبب الخديعة ، بل بقيت الغصة في القلوب على أمل عملية أخرى ، لم يكتم قادة المقاومة اللبنانية نيتهم في إنجازها .

ما يحصل اليوم بعد إنجاز عملية الوعد الصادق معروف للجميع ، ما لا يعرفه البعض الكثير من أبناء أمتنا هو حقيقة أن الصهاينة لم يكونوا مهيئين لتلقي أية ضربات في عمق تواجدهم، بل كانوا يستغرقون في أمن زائف صنعته لهم أمريكا، ومن تواطأ معها وليس الجيش الذي يتيه خيلاء وغروراً والذي رغم كل الحذر، فقد كان قادته يقولون وحتى قبل أيام أن المقاومة ستقوم بعملية خطف جنود، وأنها تخطط لها ، مع ذلك تمت العملية وببساطة غير متوقعة، وترافقت بخسائر تعتبر جسيمة طبقاً لسجلات خسائر هذا الجيش في مثل هذه العمليات ، وأعلنت المقاومة نيتها في التبادل وليس التصعيد، وأن الأمن الدولي ومجلسه، ومجتمعاته المساندة لحقوق " الإنسان " لم توصل هذه المقاومة إلى العدالة المطلوبة وبالتالي فإن هذا المجتمع ومجلسه يتحمل المسئولية ، وعكس ذلك فليكن ... الطوفان ..!!.

دولة الجيش ، ومجلس إدارة الشركة المساهمة المغفلة – متعددة الجنسيات ليس مهتماً لا بحياة الجنديين، ولا بحياة ألف جندي ، ولا بالإنسانية ، ولا كل المصطلحات الغبية المطروحة للاستهلاك ، ... الأهم هو الخطط الموضوعة ، استرداد الهيبة ، النصب المرفوع أمام أعين جميع شعوب العالم، وخاصة شعوب منطقة المشرق المستهدفة بالنهب والسيطرة ، ويشارك مجلس الإدارة هذا أنظمة تخشى على مواقعها، وعلى مصداقيتها الساقطة منذ أمد بعيد، إذ لا تستطيع هذه الأنظمة مداراة خجلها أمام الشعوب، والتاريخ إلا إن سلخت جلود أقفيتها وجعلت منها أقنعة لوجوهها ، الأنظمة التي تعتقد أنها بالوقوف ضد المقاومة إنما تحافظ على صدقيتها فيما تدعيه من عقلانية، وتوازن دولي ، وتغييرات حصلت بعد أيلول 2001 وتناست أن مدارك البشر تطورت بأكثر مما تطورت مفاهيم هذه الأنظمة البالية عشرات المرات ، وهي تحاول جاهدة أن تتطور بتوجيهات مجلس الأمر وإدارة الشركة ، وتدعي أنها تحاول تطوير البشر الذين سبقوها بمراحل طويلة ، ويبقى أن كل هذا غير ذي جدوى فالأمر أصبح على المكشوف .

أيضاً ، ما لا يعرفه البعض أن كثرة الرحلات المكوكية لبعض قادة هذه الأنظمة ، لم تتضمن التنسيق كما تم الادعاء ، بل حوت جعبته التهديد، ونقل رسائل مجلس إدارة الشركة الإمبراطورية ... التي تطورت لتضم أعداء الأمس، وبدلاً من مجلس الستة، أصبحوا ثمانية يقتسمون الغنيمة ، والفتات للأتباع ،.. وما أكثرهم ، القيادات الوطنية الصامدة تلقت وما زالت تتلقى كماً هائلاً من الضغوط والمغريات ، والوعيد، والتهديد بالزوال عن وجه الأرض ، وإسقاط الحكم، ومصادرة الأموال ، والإحالة إلى محاكم مجرمي الحرب .... الكثير ، الإيمان بعدالة القضية هو وحده الدافع لاستمرار الصمود والركون إلى إرادة وتأييد الشعب .

كيف تسقط المعادلة ..؟

قلنا أن قطعان المستوطنين تعودت على حماية ورعاية دولية، وأن هذه القطعان لم تتذوق طعم ومرارة الحرب الحقيقية، باستثناء ضربات متفرقة ، كانت تثير سعارهم لدرجة الجنون وتحفزهم على الانتقام وتحريض قيادات الجيش ( الداخلية والخارجية ) على معاقبة من يقدم للفلسطينيين رغيف خبز ... وليس سلاحاً ، إذ القاعدة أن يتم تجريدهم من السلاح ، من اللباس ، وحرمانهم من الطعام ، وحتى تقنين المياه ضماناً للركوع، وقد مارست صهيون، وأمريكا هذا الفعل، وتواطأ معهم من تواطأ ، وقد كانت أجهزة مجلس إدارة الشركة تحصي عدد الطلقات، والأسلحة، وأنواعها، ومداها المجدي، ومراكز خزنها، وكل شيء من المصدر – دون استثناء - ، ليس على الفلسطينيين فحسب، وإنما على الجميع ، .. العاقل لا يتزود بالسلاح من مصادر معادية ، وهكذا لم يخطر لهم أن الحاجة أم الاختراع كما يقول العامة ...، وأيضاً فاتهم ما اختزنته المقاومة من أسلحة، لأن المصدر ليس عميلاً ، والمقاومة غير مخترقة، وهكذا كانت المفاجأة ، وإذا كان سلاح الردع الفعال اليوم هو الطيران ،... فالصواريخ يمكنها الوصول بعيداً إذا توفرت الدقة والخبرة، والأهم الإرادة .

تنقلب المعادلة اليوم ، أو هكذا يبدو لي ، في معركة شبه متوازنة .. الصفعة بصفعة رغم فارق الحجم ( في العتاد) فهو لصالح العدو ، وفي الإرادة والإيمان - وهو لصالح المقاومة ، والمحطة يقابلها محطة، وضرب مطار مقابل مطار، ومنزل بمنزل، مع الفارق في حجم الدمار ، وإذا كانت القاعدة الفقهية اليهودية تقول : النفس بالنفس، والدم بالدم، والولد بالولد ، فقاعدة المقاومة تقول العين بالعين والسن بالسن والبادئ هو أظلم ، .. اليوم بدأت دولة الجيش تتذوق طعم الحرب الحقيقية والتي لم تألفها في الحروب السابقة ... من يستطيع تذكيرنا بموقف مماثل بعيداً عن حرب تشرين ..؟ - اليوم ينام الجزء الأكبر من القطيع في زرائب وأقبية تحت الأرض وفي الغرف المحصنة كما يقول قادة الجيش ، ويدب الشلل في أوصال الآلة ، ويتوقف الاستثمار ...، حقاً خسائر شعبنا ومعاناته في كل لبنان جسيمة، بل مرعبة، لكنه الأكثر قدرة على التحمل والصبر ، ويقال : إنما النصر ... صبر ساعة ، وها هي عملية عض على الأصابع ،،، ومن المؤكد أن القطيع المدلل سيصرخ أولاً وها التظاهرات تنطلق في تل أبيب .

المعادلة تغيرت ، وأمريكا ومجلس الإدارة والأمر لا يستطيع تقبل هذه الحقيقة، ولهذا لم يوافق على طلب وقف النار ... الضوء الأخضر مستمر لدولة الجيش لتقوم بإنجاز المهمة، قد لا يطول الأمر ، ففي القريب ، سيصرخ هذا المجلس طالباً الوقف الفوري ، وستساعده كل أبواق الأنظمة العميلة في المنطقة، ولكن، من حق المقاومة أن ترفض إلا بشروطها .

لست معتوهاً لأقول أن المقاومة ستنتصر وتجتاح فلسطين المحتلة، لكنني أؤمن بأن المقاومة تنتصر بصمودها وتدفع بما يمكن تسميته شعب دولة الجيش لينقلب على جيشه ويسقط رموزه ويعيد لهم وعي حقيقتهم وأنهم مجرد أداة، وأنهم لا يستطيعون الاستمرار إلى الأبد على هذه الحال ، ثم ليرحلوا من حيث أتوا ولتقوم دولة حقيقية ديمقراطية وتعود الحقوق إلى أهلها ... لتنفض الشركة متعددة الجنسيات .

الانقلاب على المعادلة إياها ، يقتضي الوصول إلى نتائج أقلها ، - إطلاق كل الأسرى دون قيد أو شرط ، وتطبيق كل القرارات الدولية ، وليس كما يتحدث نيساي وبيريز عن أنهم طبقوا القرار 425 وأن المجتمع الدولي يريد تطبيق القرار 1559 ، وأنهم لا يريدون من لبنان أي شيء لا أراضي ولا .. مياه ..!! ، ويقول الثعلب العجوز: أن جيشه لا يتقصد المدنيين، وفي الحقيقة، جيشه لا يتقصد غير المدنيين ( العار لمحطة تعطي منبرها للكاذب العجوز دون أن يسأله مذيعها وماذا عن مجزرتك في قانا، ) وماذا عن مجازر اليوم وهل أطفال مروحين يرتدون المنقط ويحملون على أكتافهم الكاتيوشا ..؟ ، ويقول نحن لا نتجه لتدمير البنية التحتية، في حين لم يترك طيرانه المجرم جسراً ولا طريقاً ولا محطة كهرباء ، حتى محطات الوقود الخاصة والأبنية المدنية الآمنة في المدن والقرى ، والمطارات والموانئ ... وحتى المستشفيات ، وباختصار ما الذي لم يتم استهدافه ..؟ طالما أعلنوا أن لا حصانة لأحد ..! هل شاهد الأوروبيون حظيرة الأبقار المدمرة، وجثث الأبقار المتناثرة ، والبقرة الباقية على قيد الحياة وقد انفصل جزء منها وتعاني سكرات الموت ..!! أين جمعيات الرفق بالحيوان ، هل تدب فيها النخوة التي لم تدب في جمعيات الرفق بالإنسان ..؟ التوراة يأمرهم بفعل ذلك : اقتلوا غنماً وبقراً ، جملاً وحماراً ... سفر التثنية .

- الشارع الوطني والقومي بكل من فيه ، في كل الكيانات يتخوف من مؤامرة على المقاومة، مؤامرة تشارك فيها أيادي السمسرة العربية العميلة والتي لا تطلب منها المقاومة إلا أن تلتزم الصمت على الأقل إن لم تشارك في إدانة العدوان، وليس أن تدين المقاومة التي تمارس حقها في الرد على العدوان بل ، إن هذه الجهات تسوق له في أقذر عملية سمسرة وقوادة عبر التاريخ في حين تكون رغبة شعوب هؤلاء طرد من يمثلون دولة الجيش، وقطع العلاقات معهم ، بل وإنذارهم بالتوقف عن عربدة لا يسكت عنها إلا ... !!.

لتسقط كل المعادلات، بما في ذلك معادلة التسلط الأمريكي على مجلس الأمر العالمي ، ولتسقط معادلة "حقوق الإنسان " العوراء ، ولتسقط معادلة الأنظمة العميلة أصحاب الأقنعة .... الـ ، ولتسقط الرباعية والثمانية و....، لتحيا شعلة المقاومة حتى النصر .