نجيب نصير

هل يستطيع مجتمعنا او أي مجتمع بمواصفاته ان يحتمل هذا الكم من التفاعلات على الرغم من انسداد طرقها واقنيتها وعلى الرغم من الحالة "العالمثالثية" المزمنة فيه، والتي تشبه الى حد كبير تراكم امراض على جسد رجل فقير يتجاهل مرضه ليقوم بأعمال هو مضطر على تأديتها مع انها تعرضه لنوع جديد من الجراثيم تضيف الى امراضه ووهنه مرضا ووهنا؟

سؤال لا بد من طرحه في مواجهة باتت أكيدة لحقيقة انهزام الحداثة التي هي الترياق الوحيد لجميع الامم والشعوب والتي بذلت الغالي والنفيس للحصول عليها وحقنها في الجسد المتهاوي لينهض من رقدته قبل ان تدهسه الاقدام المعدنية الضخمة للحيويات القومية الاخرى. حيث شكلنا المثل الاكبر لهواة الفشل الذين يعشقون رمي السكين في الهواء والوقوف تحتها في مغامرة همجية لمقاومة المنطق والمعرفة وانحيازا للوهم الذي لما يزل يؤكد لهم انه حتى لو وقعت السكين في بؤرة الرأس فانه لن يتأثر لصلابة فيه وعلى السكين ان تنكسر اذعانا لخصوصيتنا . في احتكاكنا الاول مع الفرصة الحداثية تم الضرب عليها بايدي من حديد مفوتين على انفسنا صناعة بنية اجتماعية قادرة على التفاهم مع ذاتها وربما كان الكواكبي او طاهر الجزائري وغيرهم يشكلون نقاط الفشل المضيئة في ليلنا الطويل حيث يتخبط الآن أصحاب الأيدي الحديدية للحصول على بعض الحداثة لاستخدامها في إعلان انتصارهم القاتل على بنيتهم الاجتماعية ذاتها ، لقد تم قتل مفهوم البنية الاجتماعية المبدعة لصالح بنية اجتماعية تنتج خبزنا كفاف يومنا ، لا يقيها شر الجراثيم والأمراض ولا يصنع لها مناعة ذاتية بل يقدمها على طاولة التشريح الحديثة كمثال عن آخر ديناصورات البنية الاجتماعية المندثرة في العالم الآن .

نبدو الآن بين فكي كماشة مضادة للحداثة / الترياق ، طرفها الاول تقليدية تراثية تحابي طرفها الثاني وتوافق على شعاراته، و طرفها الثاني حداثة مزيفة توحي انها منقوصة بعض الشيء، وتتفق مع التقليدية التراثية في كل شيء عدا الشعارات ،حيث يتفقان على الخصوصية والتراث والأولوية والواقعية النفعية والأحلام الخلبية والعدو الخارجي المانع من الانتصار والمعرقل لمسيرة النهوض ، عند هذا الاتفاق يبدو الترياق بعيدا ومؤجلا بل وحتى تراجعيا، اذ على البنية الاجتماعية ان تجيب على اسئلة من النوع الذي طرحه اتاتورك المشعل الاول لتركيا الحداثية، فمن هو القادر على تحمل هكذا عودة، او التراجع عن انجازاته ( الهائلة ) أو حتى مناقشة المسائل المتفق عليها مثل الخصوصية والتراث .

نحن في أزمة بنية نعرف السيارة ولا يهمنا كيف ولماذا ومن اخترعها، نعرف الحرب العالمية الثانية ولكننا لا نعرف كيف ولماذا وما هي نتائجها علينا وعلى غيرنا ، نعرف البيئة والطاقة النووية وغزو الفضاء ونمور آسيا وانطلاقة الصين والهند والوحدة الأوربية ونعرف عن كل شيء لكننا لا نستطيع التأسيس لأي فعل حقيقي .

انه سؤال مجتمعي يخص أفراده جميعا هل هذا الجسد الاصطلاحي قادر على العيش في القرن الواحد والعشرين دون ان يرى صورته الحقيقية.