الوعد الصادق.....الوهم المتبدد.....امطار الصيف عناوين لعمليات عسكرية تعبر عن واقع سياسي تجتاحه النار، وغموض الآفاق، واختلاط المرجعيات.

لحظة كتابة هذا المقال. وصل عدد القتلى من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب قرابة المئتين، واضعافهم مضاعفة من الجرحى، مع بلايين الدولارات خسائر في البنى التحتية. واذا كان كل طرف من اطراف الصراع الساخن او الملتهب يجد مسوغات مقنعة لموقفه وسلوكه، فان الدوافع القوية لا تكفي لتبرير الافعال والمبادرات، ذلك ان الشيء الوحيد المقنع للشعوب والمجتمعات، هو رؤية خلاصات عملية تبرر الكم الهائل من التضحيات وتظهر رجحان كفة المزايا على كفة الاثمان في ميزان الربح والخسارة. المنطق المجرد يحالف المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين، والدوافع تبدو شعبية الى ابعد مدى، من خلال قراءة ردود الافعال الاولية على اختطاف الجندي في غزة، والجنديين في جنوب لبنان. ان اسرائيل التي اتخذت من قضية الجندي الاول تبريرا تراه قويا لهجوم غاية في الدموية والفظاظة على غزة المحاصرة، وتتخذ من القضية الثانية ما تراه مبررات اكثر قوة، تطور الازمة من عنوانها البسيط (اختطاف جنود من اجل المبادلة) الى ردع اقليمي شرس قد يطال سوريا بعد لبنان وايران بعد سوريا، وحتى الآن لا يزال الاسرائيليون بحكم القوة العسكرية شديدة التفوق، يملكون زمام المبادرة في توسيع العدوان وتطوير الازمات فهم يرفضون جملة وتفصيلا الرقص على ايقاعات حماس وحزب الله، بل يسعون لان يرقص الاقليم بكل قواه ومجتمعاته ونظمه وحساباته على الايقاع الذي يضعونه ويضبطونه بالوتيرة التي يريدون.. في ظل الصخب العسكري نحتاج الى بعض الوقت لرؤية مقدمات الخلاصات السياسية للاحداث، لقد وصف الاسرائيليون خطة حربهم على غزة بالمتدحرجة، اي ان كل يوم يحمل اهدافا اضافية لليوم التالي، ويبدو لي ان هذا الوصف - يصدق تماما على خطة الحرب الجديدة على لبنان، حيث كل يوم يفرض اهدافا جديدة، ومساحات اكثر اتساعا، دون النظر الى الحدود الاقليمية بين المساحات. واذا كانت الحروب الاقليمية تنشأ بقرار سياسي، او عبر اعلان حالة حرب بين فريقين او فرقاء متنازعين، فان ما يجري في منطقتنا هو حالة وسيطة بين حرب اقليمية مباشرة معلنة وواسعة، وحرب تجري بين اطراف كبرى عبر اطراف اصغر.

وفي حالة كحالتنا فان ازالة الفوارق بين الكبير والصغير، هي مهمة اميركية اسرائيلية مشتركة، لان الامر هنا يتعلق بسوريا وايران، واي ضربة او ضربات توجه لاهداف مباشرة في هاتين الدولتين، تتطلب ضوءا اخضر صريحا من واشنطن، وقد لا تكون اسرائيل بحاجة الى هذا الضوء لو اقتصر الامر على مجرد اغتيال شخصيات فلسطينية او لبنانية داخل نطاق سوريا فقط. وحين تتدحرج الامور على هذا النحو، يظهر سؤال منطقي ثم ماذا بعد؟ فقضية الجنود المختطفين، قد تنتهي بتخليصهم او قتلهم او اخفائهم الى امد طويل، الا ان مسألة الحرب الاقليمية او الردع لا بد وان تفضي الى خلاصات سياسية، اما الى تسوية شاملة وهذا ما ستتحدد فرصة على ضوء النتائج وامكانية التوصل الى وقف لاطلاق النار، والشروط التي ينبغي تحققها مسبقا لهذا الوقف، او أن حدة المعارك ستنحسر وفق الحاجات التكتيكية لكل طرف حتى لو استغرق الامر زمنا طويلا. اسرائيل تسعى اولا الى وقف الصواريخ المنطلقة من غزة تجاه العمق وتريد كذلك قصم ظهر القوة العسكرية لحزب الله كي لا يتجدد الصداع المزمن الذي ظنت بسطحية في التفكير انها تخلصت منه لمجرد الانسحاب الاحادي من الجنوب. وفي سياق ذلك قد ينشأ مناخ موات لرفع درجة حرارة الصراع الداخلي نظرا للخلاف الناشئ حول قيادة حزب الله لمصير لبنان - حيث بويع الحزب للقيادة زمن الاحتلال الاسرائيلي للجنوب ويرى بعض اللبنانيين ان لا ضرورة لاستمرار البيعة بعد الانسحاب. وهنا سيواجه الجميع محذور العودة سنوات الى الوراء حين تقيم اسرائيل مناطق عازلة في غزة والجنوب، وتستمر على موقفها المتشدد من مسألة التبادل، وتضحي بمصير جنودها مقابل اجراءات عسكرية وامنية اوسع نطاقا مما يجري الحديث عنه حتى الآن. ولعل ما يزيد الامور تعقيدا بالنسبة للجميع، ان ما يجري الآن فيه بعد يتعلق بمصداقية كل طرف حيال ما قام به من مبادرات. فالاسرائيليون الذين يعانون من جرح كبرياء جيشهم واهتزاز نظرية امنهم المعتمدة منذ عقود، يسعون الى ترميم مصداقيتهم، والحصول على دعم شعبي مبرر لخطواتهم المحفوفة بالخطر. وحماس وحزب الله، اللذان حصلا على دعم شعبي جراء انتظار تحقق فرصة اطلاق سراح الاسرى عبر التبادل، يدافعان ايضا عن مصداقية مبادراتهما، وجدوى هذه المبادرات، وحين تدخل المصداقية في اختبارات بالدم والنار، يصبح التنازل كارثيا، والتراجع هزيمة، وهنا تظهر الحاجة لحلول وسط تحمل فرصا لتأكيد المصداقية والجدوى ولو نسبيا، ولكن اين هذه الحلول ومتى نراها؟ .. وهل سنراها اصلا؟. هذا سؤال يستحق الانتظار بعض الوقت لمعرفة الاجابة عنه.