معاريف

عامير ربابورت

آجلا أم عاجلاً سيضطر الجيش الاسرائيلي الى وقف الهجوم في لبنان. هكذا هو الحال مع الحملات العسكرية. في نهاية المطاف يجب استنفادها بطرق سياسية. وأمس، بين الساعات التي تحصي في هيئة الاركان الزمن بين مرحلة ومرحلة في حملة تغيير الاتجاه كان يمكن ايضا سماع الدقات الاولى للساعة السياسية. فالاسرة الدولية لا تزال لا تقف مع ساعة ضبط الوقت في يدها، ولكن الاحساس هو ان الضوء الاخضر الذي اعطي لاسرائيل كي "يجن جنونها" في لبنان لن يبقى مشعلا الى الابد. وتجربة الماضي تفيد بان الحملة ستنتهي الى هذا الحد أو ذاك ما إن تصل الولايات المتحدة الى الاستنتاج بان اسرائيل قد استنفدتها. وهذا ليس بالضرورة قرارنا.
امكانية أن يضطر الجيش الاسرائيلي الى التوقف قبل أن يكون حقق كامل اهداف الحملة هي السبب في ان رئيس الحكومة ايهود اولمرت يفضل التسويف في الاتصالات مع مبعوث الامم المتحدة الى المنطقة. كما أن هذا هو السبب الذي دعا وزير الدفاع عمير بيرتس الى أن يعقب على التصريحات المعتدلة نسبيا لرئيس الحكومة اللبناني، والتي تشير الى امكانية أن ينتشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع اسرائيل بدل حزب الله، بالذات بالأمر الى الجيش الاسرائيلي بأن "لا تخففوا يدكم عنهم، استمروا".
واضح انه قبل ان تنتهي الحملة ينبغي تحقيق اكثر ما يمكن. هدم، تفجير، تلقين درس. ولكن كي يتمكن الجيش الاسرائيلي من تحقيق أهداف الحملة ـ ليس فقط ابعاد حزب الله عن الحدود، بل وايضا تحطيم منظومة الصواريخ الهائلة التي تمسك باسرائيل في مكان حساس منذ ست سنوات ـ مطلوب على الاقل اسبوع آخر حتى اسبوع ونصف من الهجمات. وفي الجيش الاسرائيلي يفضلون استكمال العمل من الجو. ولكن اذا لم يكن هناك مفر، فستكون أيضا عملية برية لإبعاد جزء كبير من الصواريخ.
غير أن تصريحات رئيس الحكومة اللبناني بالذات تعقد الوضع من ناحية اسرائيل. ورغم أنه يمكن تفسيرها بمؤشرات الانكسار، وبالرمز في أن الضغط الاسرائيلي بالفعل سيحرك الشارع اللبناني للضغط على حزب الله، فان الاعتدال الذي يفهم من اقواله يقرب اللحظة التي تفرض فيها الاسرة الدولية على اسرائيل وقف الحملة. هذا قد يحصل دون أن تباد منظومة الصواريخ بمعظمها ودون أن تتغير قواعد اللعبة بشكل جوهري. كما يجدر بالذكر انه بينما يحاول العالم تعزيز رئيس الوزراء اللبناني، ففي اسرائيل يعرفون ان لا سيطرة حقيقية على حزب الله. على الاقل طالما لم ينزع سلاح حزب الله.
وقف مبكر اكثر مما ينبغي للنار سيبقي اسرائيل مع مشكلة هائلة تتمثل بالجنديين المخطوفين، ومع مشكلة اكبر في غزة، حيث لا يزال جندي مخطوف، وكذا مع نار القسام بين الحين والآخر. التصريحات المعتدلة المنطلقة من لبنان يمكنها أيضا أن تخلق الانطباع بان "اسرائيل توشك على النصر"، اما الحقيقة فهي بعيدة عن ذلك. لا يزال القتال في ذروته. ومن يواصل كالمعتاد حياته في وسط البلاد سيجد صعوبة في ان يشعر بأصوات القذائف والصواريخ غير المتوقفة في الشمال وان يستوعب كثافة القتال الذي لم يكن له مثيل منذ حرب لبنان 1982. وفقط على سبيل التجسيد: فقد كانت في تلك الايام الاخيرة أوضاع عملت فيها بالتوازي ليس اقل من 100 طائرة قتالية لسلاح الجو.
الحرب، كما ينبغي لنا أن نعترف، ليست احادية الجانب. والثمن الذي تدفعه الجبهة الداخلية أليوم.
من المهم أن نفهم أن ليس فقط امكانية وقف اطلاق النار تلوح من وراء الافق. فالامكانية الكامنة لتصعيد المواجهة ملموسة جدا ولا سيما اذا ما اجتاحت اسرائيل لبنان بريا، على مقربة شديدة من الحدود السورية، الامر الذي من شأنه أن يدفع السوريين بالدخول الى الصورة وفتح جبهة حيال اسرائيل. فهل نحن أمام وقف للنار أم أمام تصعيد اضافي؟ الامكانيتان مفتوحتان.