رغم أن الحرب لا تمنح زمنا لطرح الأسئلة، لكن الإعلام بشكله الحالي يحترف هذا الأمر حتى ولو اضطر المراسل للمخاطرة بحياته من أجل سؤال، أو حتى الوصول إلى صورة تدفعه لطرح سؤال. فالحروب تسرق عادة مساحة التفكير والتحليل في المبررات أو الغايات التي تدفع البعض لممارسة العنف، وتظهر كسر إرادة الآخر غاية نهائية، لكن السؤال في الحرب الحالية يطل عبر البحث عن نهاية ... فالأطراف المتصارعة تريد كسر الإرادة بينما باقي "المنكوبين" أو حتى "المنغمسين" بنتائج هذه الحرب يبحثون عن أجوبة ....

منذ اللحظة التي اندلع فيها القصف على لبنان كان لا بد من الحديث أن هناك "حرب" وليست أزمة، لأن ما يحدث أوحى وبشكل واضح أن مسألة كسر الإرادة لم تكن تتعلق بحزب الله، بل أيضا بنسف أي لون متبق يحاول التفكير خارج الخيارات المطروحة دولية أو "إسرائيليا" ... والمشكلة التي ظهرت وشكل مسارين للنظر للحرب متعلقة أساسا في أن البعض يريد رؤيتها كأزمة ناتجة عن حدث، بينما يرى آخرون أن التصاعد السياسي وصل قبل أسر الجنديين لمرحلة حدية اقتضت من "إسرائيل" إمساك المبادرة والدخول في الحرب، تماما كما حدث عام 1967 بعد سحب قوات الطوارئ من سيناء وإغلاق مضائق تيران.

ربما كانت "إسرائيل" ترى أنها ممسكة باللحظة، وهذا صحيح إلى حد بعيد مع شرعية دولية تسعى لإتاحة وقت كاف أمام حكومة أولمرت كي تحقق كسبا استراتيجيا على الأرض. لكن هذه الظروف مجتمعة لم تحسم المعركة داخل مجتمعاتنا على الأقل باتجاه رسم الرؤية لما يمكن أن يحدث من نتائج فتطايرت الأسئلة عبر الإعلام، وتكدست التحاليل، ودون الحاجة للقول بأن استطلاعات الرأي الإسرائيلية تقدم صورة أخرى، لم تبدأ بعد بطرح الأسئلة.

وبالطبع فإن المقاربة الأساسية انصبت على "ما فعله" حزب الله، وليس على اشتعال المنطقة من العراق إلى فلسطين، لأن المحللين كانوا يقدمون مناطق التوتر وكأنها جغرافية متقطعة قادرة على الاكتفاء بالعنف دون أن يتكامل مع كامل الجغرافية الشرق أوسطية ... وربما كان الاعتقاد الذي يحمله البعض هو في انعكاس ما يجري بالعراق وغزة، ولكن في تل أبيب يبدو الأمر مختلفا، لأنها على ما يبدو لا تستطيع فهم الإخفاقات السياسية بشكل منفرد، بدء من تعثر العملية السياسية والأمنية في العراق، وانتهاء بنتائج صناديق الاقتراع في غزة ومصر، وبالطبع مرورا بلبنان التي شكل الحوار الوطني نقطة افتراق في النتائج المتوقعة.

وإذا أعدنا السؤال مجددا عن التعبيرات الأخيرة عن عمليات القتل المستمرة والتدمير المنهج الذي تسير عليها إسرائيل فإننا سنصل حتما إلى صورة كسر الإرادة .. ليست إرادة المقاومة بل إرادة المجتمعات نفسها في "الممانعة"... أي في القوة الداخلية – وربما غير الواعية – التي جعلت المشروع الأمريكي متعثرا في الشرق الأوسط عموما ... وليس تباهيا لكننا بالفعل أثبتنا أن أكثر قدرة على الممانعة ولو بطرق عشوائية ... وأثبتنا أننا نحتاج لترميم ثقة حتى نخرج من إطار الممانعة من أجل الممانعة ... لنصل إلى صورة جديدة ربما تحمل الحرب لكنها بلا شك تريد من ممارسة السياسة بطرق أخرى، وليس التعامل مع "السيارات المفخخة" فقط. من أجل هذه الصورة ليس هناك جدوى من طرح الأسئلة الأولى حول مسؤولية من هذه الحرب ... ومن أجل هذه الصورة يجب أن لا تنهزم المقاومة ....