لشدّة ما انشغل اللبنانيّون بعمليّات تثبيت الاستقرار وإعادة الإعمار بعد خروجهم من الحرب، غاب عن بال الخبراء الاستراتيجيّين، المدنيّين والعسكريّين، احتمال العودة إلى تلك الأيام السّوداء، رغم أنّ سياق الصّراع وخاتمته يعتمدان على هذه الحرب. ولا شكّ في أنّ المعركة الدّائرة بين لبنان وإسرائيل حاليًا تدفعنا إلى التّساؤل عن الأسباب التي فرضت العودة إلى السّلاح من جديد. منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، اتّبعت منطقة الشرق الأوسط قاعدةً لم تحدْ عنها، خضعت بموجبها التوتّرات لتهدئة مرحليّة من دون أن يتمّ البتّ بها نهائيًا، وكان هذا التوتّر يتصاعد بين الحين والحين لتصبح الحرب شرًا لا بدّ منه. لا ترقى الأزمة اللبنانيّة إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط عام 2005 (وبالتالي لا يسعنا مقارنته باغتيال الأرشيدوق النّمسوي فرنسوا فردينان في سراييفو الذي أشعل الحرب العالميّة الأولى في العام 1914)، كما أنّها لم تنجم عن عمليّة أسر الجنديَّين الإسرائيليَّين. هذه الحرب وليدة بروز فصائل متشدّدة بدءًا من العام 2003، تحرّكها أهداف متطرّفة. وقد تبلور هذا الأمر بعد فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينيّة، ورسوخ شعبيّة حزب الله في لبنان، وجنوح سورية إلى الرّاديكاليّة المتطرّفة، وغرق العراق في إجرامٍ دموي لم يتوقّف بعد، وبين هذه المعطيات كلّها عنصر مشترك يتمثّل بدولة إيران التي تواجه أزمة نوويّة لا تنفكّ تزداد خطورةً. ولا بدّ من النّظر إلى دول الشّرق أيضًا حيث الوضع يتراجع على نحوٍ مطّرد. ففي أفغانستان التي تشهد اشتباكات عنيفة وباكستان التي تقف على حافة بركان، يتفاقم التوتّر المذهبي والعرقي يومًا بعد يوم.

جيري *
لشدّة ما انشغل اللبنانيّون بعمليّات تثبيت الاستقرار وإعادة الإعمار بعد خروجهم من الحرب، غاب عن بال الخبراء الاستراتيجيّين، المدنيّين والعسكريّين، احتمال العودة إلى تلك الأيام السّوداء، رغم أنّ سياق الصّراع وخاتمته يعتمدان على هذه الحرب. ولا شكّ في أنّ المعركة الدّائرة بين لبنان وإسرائيل حاليًا تدفعنا إلى التّساؤل عن الأسباب التي فرضت العودة إلى السّلاح من جديد. منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، اتّبعت منطقة الشرق الأوسط قاعدةً لم تحدْ عنها، خضعت بموجبها التوتّرات لتهدئة مرحليّة من دون أن يتمّ البتّ بها نهائيًا، وكان هذا التوتّر يتصاعد بين الحين والحين لتصبح الحرب شرًا لا بدّ منه. لا ترقى الأزمة اللبنانيّة إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط عام 2005 (وبالتالي لا يسعنا مقارنته باغتيال الأرشيدوق النّمسوي فرنسوا فردينان في سراييفو الذي أشعل الحرب العالميّة الأولى في العام 1914)، كما أنّها لم تنجم عن عمليّة أسر الجنديَّين الإسرائيليَّين. هذه الحرب وليدة بروز فصائل متشدّدة بدءًا من العام 2003، تحرّكها أهداف متطرّفة. وقد تبلور هذا الأمر بعد فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينيّة، ورسوخ شعبيّة حزب الله في لبنان، وجنوح سورية إلى الرّاديكاليّة المتطرّفة، وغرق العراق في إجرامٍ دموي لم يتوقّف بعد، وبين هذه المعطيات كلّها عنصر مشترك يتمثّل بدولة إيران التي تواجه أزمة نوويّة لا تنفكّ تزداد خطورةً. ولا بدّ من النّظر إلى دول الشّرق أيضًا حيث الوضع يتراجع على نحوٍ مطّرد. ففي أفغانستان التي تشهد اشتباكات عنيفة وباكستان التي تقف على حافة بركان، يتفاقم التوتّر المذهبي والعرقي يومًا بعد يوم.
لشدّة ما انشغل اللبنانيّون بعمليّات تثبيت الاستقرار وإعادة الإعمار بعد خروجهم من الحرب، غاب عن بال الخبراء الاستراتيجيّين، المدنيّين والعسكريّين، احتمال العودة إلى تلك الأيام السّوداء، رغم أنّ سياق الصّراع وخاتمته يعتمدان على هذه الحرب. ولا شكّ في أنّ المعركة الدّائرة بين لبنان وإسرائيل حاليًا تدفعنا إلى التّساؤل عن الأسباب التي فرضت العودة إلى السّلاح من جديد. منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، اتّبعت منطقة الشرق الأوسط قاعدةً لم تحدْ عنها، خضعت بموجبها التوتّرات لتهدئة مرحليّة من دون أن يتمّ البتّ بها نهائيًا، وكان هذا التوتّر يتصاعد بين الحين والحين لتصبح الحرب شرًا لا بدّ منه. لا ترقى الأزمة اللبنانيّة إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط عام 2005 (وبالتالي لا يسعنا مقارنته باغتيال الأرشيدوق النّمسوي فرنسوا فردينان في سراييفو الذي أشعل الحرب العالميّة الأولى في العام 1914)، كما أنّها لم تنجم عن عمليّة أسر الجنديَّين الإسرائيليَّين. هذه الحرب وليدة بروز فصائل متشدّدة بدءًا من العام 2003، تحرّكها أهداف متطرّفة. وقد تبلور هذا الأمر بعد فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينيّة، ورسوخ شعبيّة حزب الله في لبنان، وجنوح سورية إلى الرّاديكاليّة المتطرّفة، وغرق العراق في إجرامٍ دموي لم يتوقّف بعد، وبين هذه المعطيات كلّها عنصر مشترك يتمثّل بدولة إيران التي تواجه أزمة نوويّة لا تنفكّ تزداد خطورةً. ولا بدّ من النّظر إلى دول الشّرق أيضًا حيث الوضع يتراجع على نحوٍ مطّرد. ففي أفغانستان التي تشهد اشتباكات عنيفة وباكستان التي تقف على حافة بركان، يتفاقم التوتّر المذهبي والعرقي يومًا بعد يوم.
إنّ الحرب التي اندلعت منذ أسبوع بعيدة عن الحرب التي عرفها لبنان في العقد الممتدّ من العام 1975 إلى 1985. فمع انتهاء الحرب الباردة، اختلفت موازين القوى كلّياً، ورغم رغبة بوتين في إثبات قدرته، تبقى روسيا عاجزة عن تشكيل مركز ثقلٍ في القرار الدّولي. فالتطرّف الإسلامي، سنيًا كان أم شيعيًا، بات يتمتّع بقاعدة اجتماعيّة أكثر رسوخًا مما كانت عليه قبل 25 عامًا. وتشعر إسرائيل أنّها تخوض معركة حماية وجودها المهدّد بهذا التّحالف الجديد، الذي يشكّل خطرًا يفوق بأشواط وأشواط خطر القوميّة العربيّة التي ازدهرت ما بين الأعوام 1960 و1970. وتكمن خطورة الحرب الحاليّة في إمكانيّة اتّساع رقعتها لتطال المنطقة بأسرها.
ويبدو أنّ إسرائيل قرّرت توجيه ضربة قاسية، إن لم نقلْ قاضية، لحزب الله، وبعد حزب الله، حدّدت هدفها التّالي، ألا وهو سورية. سورية التي تأوي قائد حركة حماس، خالد مشعل. سورية التي تنشط القوّات الأميركيّة على حدودها للقضاء على المقاتلين الوافدين منها إلى العراق ووقف إمدادهم بالأسلحة والعتاد. سورية التي اعتبرها تشيني ورامسفيلد، في أيار وحزيران من العام 2003، هدفًا رئيسيًا للقضاء على الإرهاب وأسلحة الدّمار الشّامل. وأخيرًا، سورية التي قامت بإبرام اتفاقيات دفاع مع إيران. ففي خلفيّة الحوادث كلّها تكمن الأزمة النوويّة الإيرانيّة المتفاقمة، ليجد المعتدلون في طهران نفسهم وقد تجاوزتهم الأحداث، وغمرتهم هذه الموجة الشعبويّة المعادية لإسرائيل والغرب. وقد يقود هذا التطرّف إلى اشتباكات عسكريّة كانت بعيدة الاحتمال حتى اليوم. فهل ستسمح طهران بضرب حليفتها التقليديّة ولا تحرّك ساكنًا؟ ألن ترى الميليشيات الشيعيّة لجيش المهدي ومقتدى الصّدر في هذا الوضع فرصةً سانحة لتعاود قتال الولايات المتحدة؟ ألن يبلغ التّصعيد ذروته وعلى الأرجح هدفه الأساسي ألا وهو ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة؟ في الواقع، ما زلنا حتى الآن بعيدين عن هذا الإجراء الجذري، بيد أنّ المنطقة لم تشهد أزمةً بهذه الخطورة منذ حرب تشرين الأول 1973.
لقد عادت الغيمة السّوداء لتغطّي سماء المنطقة، منذرةً بأنّ الحرب على لبنان قد تمهّد لانفجار أوسع مدىً، تكون تداعياته عالميّة. فلا بدّ إذًا من بذل جهود حثيثة لوقف هذه التطوّرات المخيفة. وفي هذا الإطار، تجد الدبلوماسيّة الفرنسيّة نفسها أمام امتحان حقيقي، وسيكون توجّهها مؤثرًا على مصداقيّتها ونفوذها الفعليَّين للأعوام المقبلة، إذا ما توسّعت الحرب أو بقيت محدودة النّطاق.
قد تسير باريس على خطى حليفها الأميركي كما فعلت عام 1982، وقد تجيّر صوتها في مجلس الأمن لتتماشى والتّعليمات الأميركيّة أو تستعيد المبادرة، بعد التّشاور الوثيق مع الأوروبيين، لصدّ التّصعيد والدّخول في خطّ الوساطة، فتنبثق خاتمة نيّرة من هذه الحرب السّوداء.