على الورق، بدت الاستراتيجية الاسرائيلية لمعالجة الوضع في لبنان صالحة للتنفيذ. لكن البدء في تنفيذها منذ 12 تموز الجاري أظهر ان العقبات امامها كثيرة جداً. اذ بعد عشرة ايام من محاولة تنفيذها لا يزال "حزب الله"، استنادا الى مجرى الحوادث والمعارك وليس الى المعلومات الدقيقة نظرا الى عدم توافرها، غير "مفكفك" ولا تزال قدرته الصاروخية اي النارية، التدميرية كبيرة ربما، رغم الصعوبات التي قد تكون بدأت تعطّل او بالاحرى تعقّد عملية نقل سلاحه الصاروخي من اماكن تخزينها الى ارض المعركة. واستنزافها لانهائها امر محتمل لكنه يستغرق وقتا طويلا بالاشهر ربما، وليس بالسنين. فضلا عن انه يتسبب بالتأكيد بتدمير كامل للوطن ليس فقط من ناحية البنى التحتية المدنية والعسكرية، بل ايضا من ناحية استمرار الدولة بمؤسساتها، ومن ناحية استمرار تماسك "الشعوب" اللبنانية. واذا تعرض هذان الامران للتدمير فالعوض بسلامة الجميع مقاومين وغير مقاومين من اللبنانيين، وعربا وايرانيين ومجتمعا دوليا يقول انه يهتم بلبنان، وهو فعلا كذلك، لكنه ربما لا يقوم بكل ما يستطيعه للانقاذ وهو كثير بسبب تعارض في الاولويات ربما بينه وبين مصالحه الحيوية والاستراتيجية من جهة، واولويات لبنان ومعه العرب من جهة اخرى. الى ذلك فان البنية العسكرية لـ"حزب الله" لا تزال في قوتها رغم الخسائر البشرية التي لا بد ان يكون تكبدها والتي لا احد يتحدث عنها لغياب المعلومات. كما ان بنيته السياسية لا تزال متماسكة. والاهم من كل ذلك بنيته الشعبية، وهذه البنية لا تزال قوية بل ربما هي اقوى اليوم بسبب الحرب وما لحقها من تدمير وبسبب التماهي الذي نجح الحزب في اقامته مع "جمهوره" العريض بحيث صار الأخير يظن ان مصيره، وخصوصا داخل لبنان فضلا عن دوره، وحجم هذا الدور مرتبط بالمقاومة وبحلفائها الاقليميين وبالحرب الدائرة. طبعاً قد لا يبقى الوضع الشعبي للحزب على الحال الموصوفة عند توقف الاعمال العسكرية، لان الجرح لا "يوجع الا عندما يبرد" كما يقال، ولكن في انتظار ذلك يكون الذي صار من خراب ودمار صار وعلى كل المستويات.
ما هي عواقب فشل اسرائيل ومن ورائها المجتمع الدولي وعلى نحو مباشر او غير مباشر المجتمع العربي في تنفيذ استراتيجيتها المشار اليها في "الموقف" امس؟
عواقب الفشل كثيرة، علما ان ذلك لا يعني اننا مع نجاحها، وعلما ايضا ان الفشل قد يكون في حال حصوله جزئيا وليس كليا. هذا يعني ان اسرائيل قد لا تهزم "حزب الله" على نحو كامل وخصوصا اذا فرضت كوارث الحرب على المجتمع الدولي وقفاً لاطلاق النار. ونتيجة ذلك ستكون ان الحزب لم ينتصر ولم يهزم. وفي حال كهذه فان عدم الاجهاز عليه يكون انتصارا له. والسؤال الذي يثيره ذلك هو: ماذا ستكون آثار هذا الوضع على دولة لبنان بل على الداخل اللبناني في ظل التباين الكامل بين "الشعوب" اللبنانية على كل الموضوعات باستثناء تضامنها مع بعضها ومع جمهور "الحزب" من الناحية الانسانية؟
الى ذلك فان السؤال الذي يطرح هو هل ان التعبئة الاسرائيلية الشعبية والسياسية والعسكرية والتعبئة الدولية والعربية اللتين وضعتا المنطقة والعالم في اجواء ان الحرب هي ضد حزب هو اداة او منفذ لسياسة ايران الاسلامية وسوريا، هل تسمح هاتان التعبئتان لاسرائيل الحكومة وللمجتمع الدولي وتحديدا لاميركا بالتوقف في منتصف الطريق في حال فشلت استراتيجيا "فكفكة" "حزب الله" وضرب ترسانته الصاروخية. والتوقف يعني نصف انتصار او بالاحرى خسارة لهما؟ والجواب عن هذا السؤال ليس متوافرا على الاقل حتى الان لكن ملامحه بدأت ترتسم. وهو قد يكون لا لن يسمح هؤلاء بالخسارة. وسيكون تلافيها بطريقة من اثنتين. اولاها، حرب برية الى الجوية والبحرية الناشبة منذ 12 الجاري لا يمكن معرفة مداها منذ الآن وكذلك نتائجها. علما ان احدا لا يشك في ان اسرائيل قد تحتل ثانية اراضي لبنانية. لكن هل هي مستعدة لدفع الثمن وهو وقوع ضحايا كثيرة في صفوف جيشها ومدنييها؟ وثانيتها، توسيع الحرب بحيث تصبح اقليمية. وذلك يعني استهداف سوريا جوا ولكن بحرب مماثلة للتي تشن على لبنان منذ عشرة ايام. وقرار باستهداف كهذا خطر لانه يخلق اوضاعا وظروفا جديدة في المنطقة وربما داخل سوريا ولانه يضع المجتمع الدولي امام مسؤولية تاريخية تنصل منها على مدى عقود او بالاحرى لم يقم بموجباتها وهي فرض الاستقرار في الشرق الاوسط من خلال البدء بحل الازمة. السبب في عدم الاستقرار في هذه المنطقة هو قضية فلسطين. لكن هل يتحمل المجتمع المذكور هذه المسؤولية؟ لا أعرف ولا احد يعرف. الا ان السؤال الذي يطرح نفسه انطلاقا من استهداف سوريا هو ماذا ستفعل ايران؟ وهل ستهب الى مساعدتها عسكرياً وبطريقة محسوسة لتجنيبها الدمار وربما الهزيمة؟ علما انها لم تساعد لبنان لا على تلافي الحرب ولا على اقامة الدولة فيه واكتفت بتبني فريق اقتناعا منها بانه قادر على جعلها لاعبا اساسيا في الصراع مع اسرائيل في المنطقة من خلال ذلك.
وفي النهاية هل يعرف احد موعداً لانتهاء الحرب المدمرة التي تشنها اسرائيل على لبنان ولاستمرار اللبنانيين، او للانصاف بعضهم، في انهاء لبنان رغم اقتناعهم الصادق بالدفاع عنه؟
لا احد يعرف اي موعد. لكن المنطق يقول ان حربا كالتي نرى لا يمكن الا ان تقف او ان تتطور وتتوسع وان تقف بعد ذلك. والمعلومات الواردة من واشنطن تشير الى توقع استمرار ما يجري خلال اسابيع اقصاها ثلاثة. اما اذا تحول ما يجري حرباً شاملة فان اي توقع بموعد لنهاية الاعمال الحربية يصبح متعذرا.