ضيا اسكندر

قد لا يفهم معاناتنا حيال ما يجري في منطقة الشرق الأوسط إلا من هو على شاكلتنا؛ فمن جهة نحن لا نستطيع إغضاب أمريكا وإسرائيل وحلفائهما, فالثمن باهظ جداً ويكفي أن نشير إلى أفضالهم في تنصيبنا وحماية عروشنا. ونحن بفضل الله لسنا من فئة جاحدي المعروف وناكري الجميل. ومن جهة أخرى لا نستطيع استفزاز شعوبنا وإعلان حقيقة دورنا ومواقفنا من الحرب الدائرة حالياً في فلسطين ولبنان..

والمشكلة أن وقاحة أمريكا وإسرائيل هذه الأيام تخطّت كل المقاييس والحدود. ومن الصعوبة بمكان مجاراتهما في وقاحتهما. صحيح أن انتصار الشعبين الفلسطيني واللبناني في هذه الحرب ليست في مصالح عروشنا أبداً لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد. فقد تنتقل العدوى إلى شعوبنا! من يدري؟! عندها لن ينفع الأسف والندم ولا الاستنجاد والاستغاثة..

وصحيح أيضاً أن شعوبنا تحبنا وتطيعنا وتبذل الأرواح رخيصةً في سبيلنا. ولكن يا أخي بصراحة علمتنا التجارب بأن هذه الشعوب لا تؤتمن أبداً وهي على نقيضنا تماماً؛ جاحدة للمعروف, ناكرة للجميل, سرعان ما تغيّر قناعاتها وبالتالي ولاءاتها. فقد يغرّر بها بعض الحاقدين علينا ويدفعها إلى اتخاذ ما لا تحمد عقباه.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ما هذا الحرج الذي أوقعتنا فيه يا حسن نصر الله؟ كل المصائب تأتي منك! لولاك ولولا بعض القوى الفلسطينية لكنا بألف خير.. العمى, إذا كان مجرد إعلان تصريح وصفنا فيه عمليّتكم بالمغامرة وحمّلناكم من خلالها مسؤولية ما يجري, ثارت ثائرتكم وكنتم على وشك فضح تاريخنا المعروف أصلاً. ترى, كيف سيكون عليه موقفكم لو علمتم مثلاً بأننا نزور إسرائيل سنوياً ونستمتع بمنتجعاتها السياحية؟ وأن التنسيق بيننا وبينها قائمٌ على قدمٍ وساق؟ وأن الاتصالات والمشاورات والمباحثات.. إن كانت هاتفياً, أو عبر المبعوثين الدبلوماسيين, أو عبر اللقاء المباشر, لم تتوقف فيما بيننا في يومٍ من الأيام وطوال السنين الماضية. وأننا في جميع المناسبات نقوم بتبادل التهاني والهدايا وآخر النكات وحتى الجواري... وأننا نمون عليهم كما يمونون علينا ونتدخّل في شؤونهم أحياناً حتى في انتخابات الكنيست الإسرائيلي. ندعم مالياً وسياسياً هذا الحزب ونحجم عن دعم ذاك.. وللأمانة هم لا يقصّرون معنا أبداً, يقدّمون لنا الدعم اللوجستي والاستخباراتي عن كل المعارضين لحكمنا. يلفتون انتباهنا إلى بعض أخطائنا. يصوّبون بعض توجهاتنا. يكتمون سرّ ما يجري بيننا..

اف..ف! يا ربي ما هذه المصيبة! من جهة, أمريكا غارقة في مستنقع العراق ولا تجد مخرجاً مشرّفاً لها. وإيران على وشك الوصول إلى القنبلة النووية, والمجتمع الدولي ليس موحداً حيال هذا الملف! وسورية مازالت تركب رأسها وتعاند وتمانع.. ولا عقوبة جدّية عليها حتى الآن! وحزب الله أصبح يتمتع بقوة عسكرية ضاربة. وقد نجح في فرض سياسة توازن الرعب في المنطقة. وحركة حماس وصلت إلى الحكم بانتخابات ديمقراطية لا مجال لدحضها.. والحبل على الجرّار! ولو اقتصرت هذه الخسائر على منطقتنا لهان الأمر كثيراً. لكن أن ينسحب الوضع حتى على الحديقة الخلفية لحليفتنا الكبرى أمريكا, وتحديداً في أمريكا اللاتينية التي لم يبق فيها بلداً إلا وانتصر اليسار فيه وعبر صناديق الاقتراع. فهذا لعمري من فظائع الأمور.

والمشكلة العوّيصة الأخرى أن حلفاءنا لم يعودوا يقبلون منا كما السابق أن يكون لنا وجهين.. فقد تمادوا بطلباتهم المحرجة لنا بالإعراب عن إدانتنا الصريحة لكل الأعمال الإرهابية التي تجري في العالم وخاصة في منطقتنا.. مع أن الأصح هو البقاء على سياستنا السابقة لئلا نؤلّب شعوبنا علينا. فماذا سنخسر مثلاً لو تكتكنا وأعلنّا تضامننا مع المقاومة وأطلقنا جهاراً التصاريح النارية ضد حلفائنا؟ وفي نفس الوقت نبقى على عهدنا الذي قطعناه لهم منذ اليوم الأول لتنصيبنا في الحكم, مباركين جهودهم لقيامهم بالنيابة عنا في تحطيم روح المقاومة؟ أليس أكثر الحكام العرب كانوا يتبعون هذا التكتيك نفسه طوال عقود؟

لطالما كنا نقتل القتيل ونمشي في جنازته! ما عدا ما بدا يا ترى؟
في لقاء القمة القادم مع حليفنا الأكبر سنبذل قصارى جهدنا لتوضيح وجهة نظرنا, لربما اقتنع..
يا أخي مجنون يحكي وعاقل يسمع..!
ضيا اسكندر – اللاذقية