د. ثائر دوري

في النقاش حول دور حزب الله يتعامل بعضهم معه و كأنه مقاول عهد إليه إنجاز عملية التحرير و مقاومة العدوان الصهيوني ، فبات عليه أن يستريح بعد أن أدى المهمة على خير وجه ، أي أن يسلم سلاحه و يأخذ أجره و يركن للهدوء . هل يعقل هذا ؟ هل قرأ الذين يقولون بهذا الكلام تاريخ الشعوب ؟

كل الشعوب التي تعرضت لاحتلال جزئي أو كلي و نشبت فيها حركات مقاومة ، مسلحة أو سلمية ، تحت أي شعار كان ، ماركسي ، أو ديني ، أو وطني ، أو قومي . و أنجزت هذه الحركات ، السلمية أو المسلحة ، عملية التحرير بنجاح . فإن هذه الحركات بعد نصرها استمرت بأداء دور مركزي في الحياة السياسية في البلد بعد التحرير ، بل حكمته و لعقود . حدث هذا في دول من شرق العالم إلى غربه .

فديغول وصل إلى الحكم في فرنسا لأنه قاد المقاومة ضد النازيين ، و في الهند بقي حزب المؤتمر يحكم الهند لعقود لأنه قاد عملية التحرر من الاستعمار البريطاني ، و كذلك الحال في الجزائر فقد حكمتها جبهة التحرير ثلاثة عقود كاملة بعد أن أنجزت عملية تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي . و في فيتنام ما زال الحزب الشيوعي يحكم بعد أن طرد الاحتلال الأمريكي من الجزء الجنوبي من البلاد و أنجز تحرير و توحيد البلد . و يمكنكم تعداد عشرات الأمثلة من بلدان العالم الثالث و غيرها .

كل حزب أو جبهة أو مجموعة أنجزت تحريراً من احتلال كامل أو جزئي حكمت البلد بعد إنجاز مهمة التحرير ، فتحول المقاومون إلى عسكريين نظاميين وصاروا جنود و ضباط و قادة جيش الدولة المحررة . و أصبح رجالات الحزب ، الذي أنجز هذه المهمة ، رجالات الدولة . و بالتأكيد هذا ما سيحدث في العراق بعد وقت طويل أو قصير ، فالذين يقاومون المحتل اليوم في العراق هم من سيستلمون السلطة بعد التحرير ....

لم يحدث مثل هذا الأمر مع حزب الله اللبناني نتيجة وضع لبنان الفريد و تركيبته الطائفية المعقدة و كونه ساحة تقاطعات إقليمية و دولية متشابكة و الأهم من ذلك عقلانية قيادة حزب الله و تفهمها لوضع بلدها . و لولا هذا الوضع الفريد لكان وضع حزب الله مثل وضع حزب المؤتمر في الهند ، أو حزب جبهة التحرير في الجزائر، أو الحزب الشيوعي في فيتنام . و لكان أمينه العام رئيساً للدولة ، و أعضاء مكتبه السياسي وزراء الدولة المحررة ...........الخ . لكن فرادة النموذج اللبناني كان لها رأي آخر .

و بدلاً من أن يدرك الساسة اللبنانيون ، الذين كان بعضهم متعاملاً مع المحتل الصهيوني و هم بالمعايير الفرنسية التي يعرفونها جيداً كان يجب أن يطبق عليهم حكم الإعدام كما فعل ديغول مع بيتان . بدل أن يدرك هؤلاء الساسة هذه الحقائق و يتصرفون على أساسها فيوجهون شكراً مضاعفاً لقيادة حزب الله لأنه أنجز التحرير ، و لأنه تنازل عن حق تاريخي بديهي بحكم الدولة المحررة . بدل ذلك تعاملوا مع المقاومة بعنجهية فاعتبروها مجرد مقاول أنجزت مهمتها و عليها أن تنسحب ، كما ذكرنا ، هل يعقل هذا ؟