هآرتس

بقلم: جدعون ليفي - ( رئيس الولايات المتحدة يستطيع أن يزجنا لمواصلة الحرب كما يرغب، ورئيس الوزراء البريطاني يستطيع أن يصفق لنا في برلمانه، ولكن الدم ينزف في اسرائيل ولبنان والرعب يتزايد والثمن يرتفع الى عنان السماء، هكذا سدى وبلا قيمة تُذكر. )

يتوجب ايقاف هذه الحرب فورا والآن. هي كانت بلا داعٍ منذ البداية حتى وإن كانت الذريعة مبررة، والآن قد حان وقت ايقافها. كل يوم يرفع ثمنها من دون جدوى. السعر الدموي يُدفع من دون أن تحصل اسرائيل على ثمن حقيقي ملائم. هذا وقت مناسب وجيد لايقاف الحرب حتى وإن كان الطرفان سيدعيان الانتصار. اسرائيل ضربت حزب الله، وحزب الله أصاب اسرائيل. التاريخ يُعلمنا بأن هذا الوضع لا يؤدي الى التسوية، ولتتذكروا حرب يوم الغفران.

اسرائيل خرجت الى الحرب بذريعة مبررة مع وسائل مرفوضة، هي ادعت أنها تشن الحرب على حزب الله، إلا أنها دمرت لبنان في الواقع. الجدوى الأساسية من هذه الهجمة قد استنفدت. "بنك الأهداف" الجوية قد استنفد في اغلبيته. بامكان سلاح الجو أن يواصل زرع الدمار في الأحياء السكنية والمباني الفارغة ومواصلة اطلاق عشرات الأطنان من القذائف على المخابيء المفترضة وقتل اللبنانيين الأبرياء، ولكن ذلك لن يتمخض عن أي شيء جيد.

من أراد استعادة القوة الردعية الاسرائيلية نجح في ذلك. حزب الله وباقي أعداء اسرائيل يدركون الآن أن اسرائيل ترد بقوة ساحقة على كل تحرش بها. وجنوب لبنان ايضا أصبح نظيفا وخاليا من حزب الله. وهذا التنظيم سيعود الى هناك إن آجلا أو عاجلا، كما قد يعود الى التسلح من جديد. التسوية الدولية قابلة للتحقق الآن، ولم يكن من الممكن تحقيق أفضل منها بثمن معقول في المستقبل.

اسرائيل ستجد صعوبة في الواقع في تحقيق باقي الأهداف المحددة لهذه الحرب: اعادة الأسرى وتصفية حسن نصر الله، حتى وإن استمرت الحرب اسابيع واشهر اخرى. الجيش الاسرائيلي يطلب الآن "اسبوعين آخرين"، وبعد اسبوعين سيطلب "اسبوعين اضافيين"، والحسم لن يأتي.

من الناحية الاخرى هناك ثمن باهظ جدا. كل يوم يزيد من الانتقادات العالمية والكراهية لاسرائيل. هذا ايضا عامل من عوامل "المناعة الوطنية". خلافا للزمرة في الداخل الاسرائيلي التي تدعي أن العالم يصفق لاسرائيل، تتسبب المشاهد الآتية من بيروت في الحاق ضرر هائل وعن حق. الأمر لا يقتصر على زراعة المزيد من الكراهية لاسرائيل في العالم العربي، وانما يتعداه ليشمل العالم الغربي ايضا. عشرات آلاف اللاجئين الغربيين الفارين من لبنان الى دولهم ينضمون لمشاهد مئات آلاف اللبنانيين النازحين الذين لا توجد لهم صلة بحزب الله، يسهمون في بلورة صورة اسرائيل السلبية كدولة عنيفة وهدامة.

حقيقة أن جورج بوش وطوني بلير يصفقان لاسرائيل، قد تُقدم بعض العزاء لاهود اولمرت ولوسائل الاعلام الاسرائيلية. ولكن ذلك لا يقنع ملايين المشاهدين في العالم الذين يرون القتل والدمار في وسائل اعلامهم. هذه المشاهد التي لا يتسنى لنا نحن هنا أن نراها. في العالم يرون أحياء مدمرة ومئات الآلاف من اللاجئين الفارين في ذعر وخوف، والمشردين والمقتولين والجرحى ومن بينهم الاطفال. استمرار الحرب هو اذا مسألة غير اخلاقية وغير نافعة. كما أن الضربة التي لحقت بالاقتصاد الاسرائيلي ستكون محدودة اذا انتهت الحرب الآن. صيف فتاك سيكون صيفا باهظ الثمن من الناحية الاقتصادية.

الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي برهنت حتى الآن على قدرتها المثيرة على الصمود لن تبقى غير مبالية بالبقاء في الملاجيء لمدة طويلة. رويدا رويدا ستظهر التصدعات والتساؤلات حول السبب الذي نقتل فيه ونُقتل. هذه هي طبيعة الحروب. في البداية لا يطرح أحد سؤالا حول السبب، ومع تعمق الورطة تطفو التساؤلات الصعبة على السطح.

لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل أكثر من مرة: الحروب التي بدأت باجماع قومي واسع انتهت بشرخ كبير. من يعطر نفسه بالاجماع الآن عليه أن يعرف أن هذا الأمر لن يدوم. الحرب ستتعقد وعندما يتضح أن المسألة ليست مجدية من الجو، سيتكشف الهجوم البري الذي بدأ وستتكرر صورة الغرق في المستنقع اللبناني. وسيُقتل الجنود يوميا كما يحدث الآن، وسترتفع اصوات الاحتجاج وتتفتت وحدة المجتمع. الآن تتمنى اسرائيل تصفية حسن نصر الله. هذا توجه غريزي عاطفي يسعى للحصول على رأس العدو حتى يبرهن على انتصاره. إلا أنه ليس مجديا أو حكيما. مرة اخرى يتوجب أن نذكر اسرائيل بعشرات الاشخاص الذين قتلتهم في لبنان والمناطق، من عباس موسوي حتى احمد ياسين اللذان ظهر من ورائهما رأس جديد أكثر قدرة وخطورة من سلفه في الأغلب. من المحظور أن تنساق الحكومة وراء العواطف الجماهيرية، والفائدة الوحيدة من اغتيال نصر الله ستكون ايقاف الحرب، ولكن ذلك ممكن من دون قتله ايضا. الانجاز المنشود الثاني، وهو اعادة الأسرى سيتحقق أصلا من خلال المفاوضات فقط. وهذه مسألة كان بمقدور اسرائيل أن تفعلها من دون حرب.

من المبكر تقدير انجازات هذه الحرب واخفاقاتها. ولكن مع قادم الايام سيتضح انها كانت حربا عدمية بلا فائدة مثل كل الحروب الاختيارية. ايقاف الحرب الآن يضمن انجازا محدودا بثمن محدود. واستمرارها يضمن ثمنا فادحا من دون مقابل ملائم، لذلك يتوجب وضع حد لهذه الحرب. رئيس الولايات المتحدة يستطيع أن يزجنا لمواصلة الحرب كما يرغب، ورئيس الوزراء البريطاني يستطيع أن يصفق لنا في برلمانه، ولكن الدم ينزف في اسرائيل ولبنان والرعب يتزايد والثمن يرتفع الى عنان السماء، هكذا سدى وبلا قيمة تُذكر.