بعد 12 يوماً من الغموض الشديد الذي أحاط بالأهداف الأمريكية و”الإسرائيلية” من وراء “حرب الأسيرين” المدمرة في لبنان، أطلت كوندوليزا رايس برأسها لتضع النقاط على بعض الحروف: الهدف هو إعادة استيلاد “الشرق الأوسط الجديد”.

وهذا كان تحديداً مثيراً للغاية. فالوزيرة الأمريكية لم تتحدث عن “الشرق الأوسط الكبير” الذي أطلق فكرته الرئيس بوش العام ،2002 ولا عن “الشرق الأوسط الموسع” الذي اضطرت واشنطن لتبنيه العام 2004 بفعل الضغوط الأوروبية، بل ذهبت فوراً إلى التعبير نفسه الذي صكته “إسرائيل” خاصة في آخر كتاب لشيمون بيريز الذي يحمل العنوان نفسه: الشرق الأوسط الجديد.

إعلان رايس لم يكن مصادفة بالطبع. فهو جاء كحصيلة دبلوماسية أولى للحرب العسكرية التي تشنها “إسرائيل” في لبنان وفلسطين، والتي تستهدف أمرين: استعادة هيبة الردع “الإسرائيلية”، وتغيير موازين القوى (وربما الخرائط) في الهلال الخصيب.

لكن، إذا ما كان شعار “الشرق الأوسط الجديد” يلبي تطلعات “الدولة” العبرية الجديدة، فماذا عن تطلعات الدولة العظمى الأمريكية؟

الأرجح أن لواشنطن استهدافات مشابهة لتلك التي تضعها “إسرائيل”، ولكن على نطاق أوسع بكثير:

استعادة هيبة الردع الأمريكية التي تآكلت بسبب حرب المقاومة في العراق، والتي شجعت كلاً من سوريا وإيران وحزب الله وحماس على عقد تحالف ضد واشنطن. وقف تدهور المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الذي وضعه المحافظون الجدد، كجزء رئيسي من الاستراتيجية الأمريكية العامة لتأبيد السيطرة على قارة “اوراسيا” وبالتالي على العالم.

وأخيراً، استئناف ما انقطع من جهود لدمج الشرق العربي والإيراني بالقوة في منظومة “امبراطورية العولمة”.

كل من هذه الأهداف يكفي وحده لشن غير حرب في غير منطقة في الشرق الأوسط الكبير أو الموسّع أو الجديد، لا فرق. وكل هذه الأهداف مجتمعة، والتي تريدها الولايات المتحدة أن تكون مجتمعة، تؤكد شمولية الأهداف التي تقف وراء الحرب الراهنة. وهذا أمر لا ينفيه حتى الأمريكيون أنفسهم. فهم يقولون الآن، خاصة في مراكز الأبحاث الاستراتيجية المحافظة، ان ما يحدث الآن في لبنان وفلسطين (وقريباً على الأرجح في سوريا)، بات امتدادا لما يجري في العراق. وبالتالي، ما يحدث ليس اشتباكات منعزلة ومتفرقة في دول الهلال الخصيب العربي، بل هو حرب واحدة موحدة.

بكلمات أوضح: أمريكا صدّرت أزمتها في العراق إلى باقي دول المنطقة. وهي بدلاً من أن تتعرض للابتزاز من جانب إيران وسوريا في بلاد ما بين النهرين، شنت هي هجوماً معاكساً عليهما في لبنان وفلسطين ووضعتهما ليس في موقع الابتزاز فحسب، بل أيضاً في موقع التهديد.

هل يمكن ان يسهّل هذا التمديد للأزمة هدف واشنطن ب”تهدئة العراق”، أي إخضاعه؟

ليس بالضرورة. لكن أمريكا تأمل بأن تعوّض خسائرها النسبية في بلاد ما بين النهرين، بأرباح كبيرة في بلاد الشام، وربما ما بعدها أيضاً. كيف؟