نضال حمد www.safsaf.org

عندما كنا لازلنا في سن الطفولة وفق معايير أوروبا والدول التي تدعي الحضارة والتقدم والرخو وحرية الإنسان والرأي والتعبير والشعوب والدول ، يعني تحت سن ال18 وال 16 .. في تلك الفترة أنشدنا بقوة ومن قلوبنا وحناجرنا مع الأستاذ اسعد كعوش،أغنيته الثورية الوطنية الشهيرة التي حيت بطولات الفدائيين في معارك مارون الرأس سنوات السبعينات من القرن الماضي. واسعد كعوش فلسطيني من قرية ميرون الجليلية شمال فلسطين المحتلة،والقريبة من بلدة مارون الراس في جنوب لبنان المستباح. كانت مارون الرأس خلال الأيام القليلة الماضية تتبادل القصف مع محتلي ميرون الجليلية وجبلها "الجرمق" حيث توجد الآن قاعدة عسكرية إسرائيلية ضخمة جداً. وبين مارون وميرون تظل وحدة مصير ومعركة المعذبين والمقاومين في لبنان وفلسطين أقوى من جبروت العالمين.

كانت المعارك في جنوب لبنان مع الصهاينة في تلك الفترة على أشدها وبالذات في منطقة الحدود وعند مارون الرأس. أما اسعد كعوش فكان يعتبر مطرباً محلياً ، يحيي الحفلات والأعراس في مخيمات منطقة صيدا بالتحديد. هذا المطرب هو أيضا أستاذ في مدارس وكالة الانروا لتعليم اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، الذي يعتبره سكانه عاصمة اللاجئين والمقاومة الفلسطينية في الشتات. كل طفل وشاب في عين الحلوة والمية ومية عاش تلك الفترة الزمنية، لا بد انه يذكر الأغنية الشهيرة لأسعد كعوش " مارون الرأس بعثت أول برقية .. راية التحرير كل فدائي رافعها"..

كانت أغنية رائجة جداً وكان ذلك قبل اجتياح الصهاينة لجنوب لبنان سنة 1978 ، حيث كأطفال صغار كنا نسمع عن بطولات الفدائيين الفلسطينيين وشركائهم من الحركة الوطنية اللبنانية، الذين أطلق عليهم يومها اسم القوات المشتركة. وكنا نسمع ببلدة مارون الرأس التي تعلو عن سطح البحر مئات الأمتار، وتطل على الجليل الفلسطيني المحتل. وغير بعيد عن الرأس العربي الصامد كانت توجد تلة أخرى على ما اعتقد وان لم تخني الذاكرة اسمها تلة جاموس. وبالقرب من مارون الرأس توجد قرى و بلدات لبنانية عاشت المقاومة وقبله العدوان والاحتلال وعرفت كيف تكون بيتا آمنا لكل من يقاوم الصهاينة. وفي تلك البيوت الآمنة تعيش الآن وفي هذه الأيام وفي ظل حرب العدوان الصهيوني على لبنان عائلات لبنانية بدون أمان وتحت وابل الصواريخ والقذائف والغارات من الطيران والاباتشي والدبابات الصهيونية والأمريكية. لا أحد يسأل عن تلك العائلات، ولا أحد يكترث فعليا بمصير أكثر من مليون لبناني نزحوا،تشردوا وهجروا أو لازالوا عالقين تحت القصف وفي قلب المعركة. لا احد يسأل عن تدمير وطن صغير – كبير اسمه لبنان.

الأمم المتحدة أصبحت فرعا من فروع البيت الأبيض الأمريكي ، وامينها العام الحائز على جائزة نوبل للسلام عاجز ومنحاز وغير ذو قوة أو قرار ويفتقد لشخصية القائد، ومع هذا نقول انه يقود الأمم المتحدة في زمن صعب ، زمن لا وجود فيه سوى لكلمة وقرار الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الآن اكبر مصنع للإرهاب والتطرف في العالم. كما أن قرارات أمريكا على ما يبدو تلزم جميع الحكام في العالمين الغربي والعربي، من الحكام الذين جيء بهم في بلاد العرب على ظهور الجمال والدبابات وبالانقلابات،إلى حكام تم انتخابهم بشكل ديمقراطي في أوروبا الحديثة. أوروبا التي كانت غربية وشرقية وأصبحت بعد هدم جدار الفصل في برلين،وفيما بعد ضمن إطار الاتحاد الأوروبي جزء سياسي وعسكري من الهيمنة الأمريكية.

اليوم تقف دول العالم إما عاجزة و متفرجة وصامتة أو مؤيدة ومشاركة لما ترتكبه آلة الحرب العدوانية الإسرائيلية الأمريكية من مذابح وتدمير ومجازر وتهجير في لبنان. فموقف الإدارة الأمريكية منحاز ومؤيد للصهاينة، وقد ترجمته الإدارة الأمريكية على الأرض بتصريحات وأعمال معادية للعرب وللبنان المقاوم ولفلسطين المقاومة، وبإعطاء الصهاينة مزيد من الوقت والدعم على الصعيدين السياسي والدبلوماسي (الفيتو الأمريكي جاهز دائما)، وبإرسال أحدث القنابل (الذكية) والصواريخ وغير ذلك للمجرمين الصهاينة من قواعدهم في الحليج العربي المستباح وشبه المحتل،وحيث تنتشر القواعد الأمريكية العسكرية في قطر والبحرين والكويت والسعودية وعمان.

أما كونداليسا رايس فصرحت وهي في طريقها إلى شرق المتوسط بأنه " لا طعم بوقف فوري لإطلاق النار يجب اقتلاع حزب الله". ورايس تأتي إلى شرق المتوسط كي تفرض على حكامه ما تريده سلطات تل أبيب ، وما يريده جورج بوش الذي يعمل على فرض مشروعه الكبير في الشرق الأوسط بالتنسيق الكامل والشراكة التامة مع إسرائيل وحكام العرب المتأمركين، وبعض المشايخ الذين يفتون بما لا يدرون او بالكذب. فالذي يتهم المقاومة بالمغامرة من قلب أهم المراكز الدينية الإسلامية ، ثم يقول ان المقاومة في لبنان ليست إسلامية ولا يجوز دعمها. هذه الشخصيات مهما كانت ومهما كبرت عمائمها ، فهي ليست عربية أو مسلمة حقيقية.، كما أنها غير سويّة، وغير مستقيمة، تنقصها رجاحة العقل كما ينقصها حس الانتماء والنفس الوطني العربي والديني الحقيقي.

الشعوب العربية وشعب لبنان أولاً يقولون لهم جميعا إن كانوا مسلمين أو عرباً إن رايات العروبة و الإسلام تخفق عالياً في معارك مارون الرأس حيث يقاتل حزب الله وعباد الله من اللبنانيين. وما سيأتي بعد مارون الرأس من معارك أخرى قريبة، سوف تعيد ترتيب أوراق المنطقة وخارطة الأصدقاء والأعداء. والشعب العربي من المحيط إلى الخليج سيردد : مارون الرأس بعثت وتبعث اليوم ببرقية جديدة ليست الأولى ولا هي الأخيرة.