إعلان دمشق الأول صدر عام 1991 غداة حرب عاصفة الصحراء التي أفضت إلى المشهد العراقي الحالي وكان تجمعا للدول العربية التي شاركت في تلك الحرب ومن بينها سوريا، أما الإعلان الثاني فهو الذي صدر في العاشر من أكتوبر 2005 وضم مجموعة من قوى المعارضة السورية.

الأول كان ضد العراق- أقصد النظام العراقي الذي انتهى رئيسه إلى زنزانة في بغداد يحرسها الجنود الأميركان- واستمر هذا الاعلان يقدم الغطاء العربي المطلوب إلى مارس 2003 عندما غزا الأميركان العراق وجاؤوا «بقضهم وقضيضهم» ولم تعد هناك حاجة للاعلان العتيد بل أصبحت هناك حاجة لشطبه من الوجود ذلك أن شريك الأمس- سوريا- أصبح خصما وبالتالي مستهدفا.

الإعلان الثاني الذي تبنته المعارضة السورية وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمون تشكل والحملة الأميركية- الإسرائيلية تتعاظم ضد سوريا التي خرجت لتوها من لبنان وسط جلبة وضجيج هائلين بعد اغتيال رفيق الحريري الذي راح ضحية مشروع كبير أكبر من سوريا ولبنان.

الآن وفيما تكثف الآلة الحربية الاسرائيلية هجماتها على لبنان تحاول واشنطن وتل أبيب وحلفاؤهما في المنطقة الاقتراب أكثر من سوريا أقصد «مراودة» سوريا عن موقفها الصامد حتى الآن.

كوندوليزا في قصر التينة تلتقي نبيه بري الذي فوضه حسن نصر الله للتفاوض بالنيابة عنه في شأن واحد هو مبادلة الأسرى ولكن كوندوليزا أو كما سماها مذيع قناة المنار «حمالة الحطب» سوف «تراود» نبيه بري على الأرجح على صفقة شبيهة بصفقة، ربما تحاول واشنطن وأطراف عربية حليفة ابرامها مع سوريا.

التحرك الأميركي الآن يشترك- دبلوماسيا- في القتال، واشنطن الآن تسعى لتفسيخ الجدار الداعم للمقاومة كخطوة قبل الذهاب للأبعد إلى مجلس الأمن، فالأطلسي، فالمجهول مرة أخرى.

في إعلان دمشق الأول عام 1991 كان العدو واحدا لكل من أميركا وإيران ونصف العرب ومن هذا النصف كانت سوريا، الآن عدو أميركا والاسرائيليين بالطبع إيران وسوريا وبعض العرب- الأنظمة- ويتواجه الفريقان الآن برأسي حربتيهما: المقاومة الاسلامية وآلة الحرب الاسرائيلية في المعركة التي من مجرياتها محاولة كل طرف عزل الآخر عن مدده السياسي والعسكري والشعبي الداعم له.

وحتى تجد كوندوليزا- ثغرة الدفرسوار- المطلوبة لعزل المقاومة سوف تستمر الحرب بشراسة في جنوب لبنان وإذا حدثت الثغرة وهذا مستبعد فإن المقاومة ستمضي إلى نهاية الشوط ولن تخلف وعدها.

المقايضات والمساومات والمفاوضات لعبة خطرة جدا جربناها في كامب ديفيد وأوسلو وكانت خسائرنا جرائها كارثية لأننا الطرف الأضعف وعلى كل حال فإن نبيه بري سينقل بالتأكيد عروض أو انذارات رايس إلى السيد حسن نصر الله وسيظل رهان العواصم القريبة والبعيدة وتبدل أو ثبات مواقفها وتحالفاتها موقوفا على نتائج المعركة بين رأسي الحربتين.