بينما تدخل الحرب بين إسرائيل وميليشيا "حزب الله" اللبنانية أسبوعها الثالث يؤكد المسؤولون السوريون من جانبهم أن طبيعة العلاقة الطويلة والراسخة بين دمشق وهذه الميليشيا شرعت في التحول بعدما بدأ ينحسر التأثير السوري على "حزب الله" ويتراجع قليلاً. فطيلة العقود السابقة التي كانت فيها القوات السورية متواجدة بلبنان سيطرت دمشق على خطوط نقل الأسلحة إلى "حزب الله"، وكانت قادرة على مواصلة دعم الميليشيا، أو وقف المساندة دون صعوبة. أما اليوم فيجزم المحللون أنه حتى لو طلب من سوريا ممارسة نفوذها على الحزب قد لا يكون بمقدورها فعل ذلك وإخماد الحريق. وفي هذا الإطار يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي أحجم عن كشف هويته "لقد تم القذف بالأوراق المتاحة في السماء وليس معروفاً كيف ستنزل على الأرض، فقد نكون بصدد تشكل وضع استراتيجي جديد في المنطقة بعدما تبين أن إسرائيل لا تملك التفوق الاستراتيجي الكاسح الذي كانت تعتقد أنه في حوزتها". وبالطبع فإن أساس المعادلة الجديدة يتمثل في قدرة "حزب الله" المتواصلة على إطلاق الصواريخ وإيصالها إلى عمق إسرائيل، رغم أسبوعين من الهجمات العقابية على لبنان وقدرة "حزب الله" على مواصلة القصف لأسابيع، بل لشهور إضافية.

والواقع أنه مع كل يوم يمر على الحرب تقوم فيه قوة عربية بإمطار إسرائيل بالصواريخ يكتسب "حزب الله" المزيد من الشعبية على امتداد المنطقة ويصبح لجمه أصعب من السابق، خاصة وأن إسرائيل شبهت الحرب بمباراة الموت. وبالنظر إلى المعاملة الفاترة التي تخصها واشنطن لدمشق واستبعاد فرص التعاون بين الجانبين حول الموضوع لا يوجد ما يقنع سوريا بضرورة التدخل ووضع حد لهجمات "حزب الله" على شمال إسرائيل. وفي هذا السياق يتابع الدبلوماسي الغربي "أنتم في الحقيقة تطالبون سوريا بالتآمر لإضعاف نفسها، ذلك أن إقناعها لحزب الله بالانتحار ليس له معنى من وجهة النظر السورية ما دام يعني فقدانها لورقتها الأولى ليس فقط في لبنان، بل أيضا في التعامل مع إسرائيل". هذا بينما يُعتقد أن "حزب الله" يملك ما يكفي من الصواريخ التي كان أعلن سنة 2005 بأن لديه أكثر من 13 ألفا منها للاستمرار في الحرب لشهور عدة مقبلة.

والمفارقة أنه بإرغام سوريا على سحب قواتها العسكرية من لبنان السنة الماضية أضعفت الولايات المتحدة وحلفاؤها النفوذ القوي الذي كانت تمارسه دمشق على "حزب الله"، وسحبت منها القدرة على منع إطلاقه للصواريخ. والأكيد أنه خلال المواجهات الدامية المتواصلة فوجئت إيران وسوريا و"حزب الله" بقسوة الهجوم الإسرائيلي رداً على اختطاف جنديين من قواتها، حيث لم يكن يدور في خلد "حزب الله" أن يتحول اشتباك محدود مع القوات الإسرائيلية على حدودها الشمالية إلى حرب مدمرة. ولا شك أن "حزب الله" استند إلى التجارب السابقة التي أسفرت عن تبادل الأسرى بين الجانبين دون اندلاع مواجهات واسعة توقع كل هذا العدد من الضحايا وتهدد بتوسيع نطاق المواجهة لتطال الدول المجاورة. وكلما سئل المسؤولون السوريون عن كيفية إيقافهم "لحزب الله" وتطويق الأزمة يبدو عليهم التحفظ ويتحاشون الإجابة عن السؤال بتأكيدهم أن الصراع في الشرق الأوسط لن يحل دون خطة شاملة تنهي النزاع العربي الإسرائيلي. ومع ذلك يشير المسؤولون السوريون بأن دمشق قادرة فعلاً على التحرك إذا ما منحت هي وإيران و"حزب الله" فرصة المشاركة في مؤتمر روما الذي عقد يوم أمس الأربعاء، معتبرين أن عدم مشاركة هذه الأطراف في فعاليات المؤتمر يفرغه من أي معنى.

وفي هذا الإطار قال أحد المسؤولين السوريين الذي رفض الكشف عن اسمه "لا أعتقد أن هناك حلا للأزمة الحالية دون جلوس "حزب الله"- وسوريا على الطاولة مع الأطراف الدولية، ولا بد لأي حل أن يأخذ بعين الاعتبار سوريا و"حزب الله" وهما القوتان الصاعدتان في المنطقة". ويبدو أن إدارة بوش أدركت في الآونة الأخيرة الدور المحوري لسوريا في حل الأزمة المشتعلة، لذا شاهدنا الرئيس بوش يكرر دعوته لسوريا بلجم "حزب الله" ومطالبته للدول العربية بالعمل على فك الارتباط القائم بين دمشق وطهران من جهة وبينها وبين "حزب الله" من جهة أخرى. والواقع أن العلاقة مع إيران هي ذات طبيعة عابرة أكثر منها ذات طبيعة استراتيجية تنم عن رغبة حقيقية. فرغم أن التحالف مع إيران يجعل سوريا أكثر قوة في المنطقة إلى جانب عوامل أخرى مثل فوز "حماس" في الانتخابات الفلسطينية والوضع في العراق، إلا أنه لا يحظى بشعبية كبيرة في دمشق. فقد شبهه أحد المحليين الاقتصاديين البارزين في سوريا هذه العلاقة "بزواج المتعة" الذي يؤمن به الشيعة ويجمع لوقت محدود بين رجل وامرأة بهدف المتعة. ويتابع الاقتصادي سمير سيفان "لقد فرضت على سوريا العلاقة مع إيران عندما أغلقت في وجهها جميع الأبواب الأخرى"، موضحاً كيف أن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة أداروا ظهورهم لدمشق ما دفعها إلى "إيران وحزب الله وحماس كملاذ أخير، لكن لا يمكن التعويل عليهم في المدى البعيد لخدمة المصالح السورية".

فالاستثمارات التي كانت تتدفق من الدول النفطية الغنية في المنطقة شحت إلى درجة كبيرة وتوقفت عن القدوم إلى سوريا. ولا يبدو أن ذلك سيتغير في المستقبل القريب بسبب المظاهرات الموجهة في شوارع دمشق التي تنتقد بعض حكام الدول العربية المجاورة وتنعتهم بأسماء لاذعة. ومع ذلك مازالت سوريا تأمل في لعب دور حيوي في المنطقة كدولة قوية تستحق الاستشارة، لا سيما في الشؤون المتعلقة بلبنان. ولا ننسى أن سوريا تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين يتمثل الأول في تحرير الجولان الذي احتلته إسرائيل في حرب 1967 ويتمثل الثاني في بقاء حزب "البعث" في السلطة، حيث يعتبر الأولوية الحالية في سوريا على أن يأتي التحرير لاحقاً.