السفير

لم تنفع النداءات الدولية والعربية التي سبقت وتخللت مؤتمر روما، امس، في ثني الولايات المتحدة عن موقفها الداعم للعدوان الإسرائيلي على لبنان. ولم تفاجئ واشنطن أحدا عندما حققت اختراقا سياسيا بات مألوفا في مواجهة غالبية المشاركين، لتفرض عليهم تمديد المهلة الممنوحة الى إسرائيل للاستمرار في حربها. ففي صيغة توافقية اقل إلزامية، اكتفى المؤتمر بالدعوة الى <العمل من اجل التوصل بشكل عاجل الى وقف لإطلاق النار>.

في موازاة ذلك، عرضت فرنسا <خطة> ترتكز على <اتفاق سياسي> بين إسرائيل ولبنان، في حين طالب رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بوقف إطلاق نار يسمح للحكومة ببسط سلطتها. ودعا المشاركون الى <تطبيق جميع قرارات الأمم المتحدة واتفاق الطائف>. وفيما اتفقوا على الحاجة إلى قوة عسكرية دولية، من دون الخوض في طبيعة تشكيلها أو عملها، تعهدوا ب<دعم بقاء لبنان وإعادة اعماره>، معلنين في السياق عن <مؤتمر دولي للمانحين>.
وضم الاجتماع وزراء خارجية 14 دولة (الولايات المتحدة وايطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واسبانيا واليونان وقبرص وكندا وروسيا وتركيا والأردن والسعودية ومصر) ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة. كما حضر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية خافيير سولانا ورئيس البنك الدولي بول وولفويتز. ووقف المؤتمر دقيقة صمت حدادا على الضحايا الذين سقطوا خلال العدوان.

السنيورة

وفي مؤتمر صحافي عقب انتهاء المؤتمر، قال رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي ترأس الوفد اللبناني <أريد ان أتوجه بالشكر الى رئيس الحكومة الايطالية (رومانو برودي) والى وزير الخارجية ماسيمو داليما لإتاحتهما هذه الفرصة لمساعدة لبنان. كما اشكر لكل الذين شاركوا في هذا الجهد. ان لبنان يتعرض للقصف يوميا وبالطبع هناك إصابات كما ان البلد ممزق وذلك بهدف تركيعه>.
وأضاف السنيورة الذي التقى في وقت لاحق برودي وأمين السر لدولة الفاتيكان انجلو سودانو، ان <هذا المؤتمر شكل فرصة لعرض قضيتنا لجميع المشاركين فيه، وقد أردنا ان نعبر فعلاً عن مطالبنا فلا يزال قسم من بلدنا وهو مزارع شبعا محتلاً من قبل إسرائيل منذ سنوات عديدة، إضافة الى انه لا يزال لدينا أسرى في السجون الإسرائيلية، كما ان إسرائيل لا تزال ترفض تسليم لبنان خرائط الألغام التي زرعتها خلال فترة احتلالها لهذه المنطقة>.

وتابع رئيس الحكومة <تشن إسرائيل منذ 15 يوما عدوانا على لبنان وأود أن أذكركم بأنه الاعتداء السابع والعدوان السابع الذي تشنه إسرائيل على لبنان خلال ثلاثين عاما. لقد أردنا أن نسأل المشاركين في المؤتمر تقديم إعانات الإغاثة من جهة وهذه الإغاثة مهمة جدا، إضافة الى تقديم كل المساعدة المتوقعة ولكن أبعد من ذلك طالبنا بوقف فوري لإطلاق النار. اعتقد أن هذه المسألة نالت قسطا كبيرا من البحث خلال المناقشات وقد حققنا بعض التقدم في ما يتعلق ببحث كافة المسائل وفي كل الأحوال هذا ما كنا نتوقعه>.
واعتبر السنيورة انه <علينا القيام بالكثير خلال الفترة المقبلة وانه علينا العمل معا للتوصل الى وقف إطلاق نار يسمح بحماية لبنان واستعادة أراضيه ما سيسمح للحكومة اللبنانية ببسط سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية بشكل يتم فيه حصر السلاح بيد السلطة الشرعية في لبنان، إضافة الى التزامها باتفاق الهدنة الذي ابرم في العام 1949 والمذكور في اتفاق الطائف>.

وقال رئيس الحكومة ان <هذه هي المسائل التي أمل لبنان أن يحققها، واعتقد أننا حققنا بعض التقدم وذلك بفضل جميع المشاركين في هذا المؤتمر. وكما ذكرت، كلما أجلنا وقف إطلاق النار سنشهد المزيد من القتل والدمار والعدوان ضد المدنيين في لبنان، لذا اعتقد انه علينا العمل جميعا بدعم من منظمة الأمم المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن>.

وأشار السنيورة الى ان لبنان طلب <المساعدة لتتمكن الحكومة اللبنانية من بسط سلطتها على كافة أراضيها وان تصبح السلطة الفعلية والحصرية في البلد ويجب أن يكون هذا الوضع دائما لأنه لا يمكننا تحمل وضع مماثل من جديد، وسيتم بحث هذه المسألة في الأيام القليلة المقبلة للتوصل الى الشكل ونوع المهمة التي ستلبي متطلبات لبنان>.

ورداً على سؤال حول <حزب الله>، قال السنيورة ان <حزب الله كما تعلمون حزب لبناني ممثل في مجلس النواب ومجلس الوزراء. وكما تعلمون لقد أعلنا دوماً أننا نريد تحرير الأرض اللبنانية التي لا تزال محتلة من قبل إسرائيل. لقد لعب حزب الله دورا مهما جدا في تحرير الأراضي. وفي هذا السياق، نريد ان يتم تحرير الأراضي التي لا تزال محتلة ما سيضع العملية على المسار الصحيح وسيؤدي الى بسط الدولة سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية والى عدم تواجد أي مجموعة مسلحة في لبنان>.

وفاجأت مراسلة صحيفة <يديعوت أحرونوت> الإسرائيلية السنيورة بسؤاله <لو كنتم مكان (رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود) أولمرت هل كانت ردة فعلكم إزاء أسر جنديين إسرائيليين داخل الأراضي الإسرائيلية ستكون مختلفة؟ وهل تطالبون بنزع سلاح حزب الله للتوصل الى وقف إطلاق نار؟>.

وأجاب رئيس الحكومة <هذا سؤال جيد. واعتقد ان الجميع أدرك انه تم خرق الخط الأزرق لكن ردة فعل إسرائيل تظهر فعلا كأنه كان لإسرائيل خطة محضرة ومحكمة مسبقا لردة الفعل هذه، فالانتقام بنظر كل المعنيين، غير متكافئ مع ما حدث. اعتقد انه لو كنت في موقع السيد اولمرت لكنت اتجهت مباشرة نحو حل المشكلة الحقيقية>.

وأوضح السنيورة <دعوني أقُل لكم انه خلال السنوات المنصرمة، هل تمكنت إسرائيل عبر الأعمال التي قامت بها على مر السنين من تحقيق المزيد من الأمن والسلم؟ بالعكس من ذلك، فهي لم تستطع تحقيق لا الأمن ولا السلم. ان عمل إسرائيل لإقامة علاقات جيدة مع الدول المجاورة هو ما سيؤمن السلم والأمن وذلك عبر المضي قدماً في عملية السلام لنتوصل الى إحلال السلام بين إسرائيل والدول العربية على أساس ما تقدمت به الدول العربية> في قمة بيروت.

واعتبر السنيورة ان <اللحظات التاريخية تتطلب رجالا تاريخيين. اعتقد ان العرب أقدموا على هذه الخطوات وأوضحوا مطلبهم. لقد قالوا انهم يريدون السلام وقد آن الأوان لتحل إسرائيل كل هذه المسائل بدءا من لبنان عبر إعادة منطقة مزارع شبعا المحتلة كما عليها حل مشكلة غزة والضفة الغربية والعودة الى السلام. هكذا سيستطيع القادة الإسرائيليون حماية الإسرائيليين الذين سيتمكنون من تربية أولادهم في ظل الازدهار والسلام في المنطقة>.

رايس

من جهتها، لم تخف وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس معارضة واشنطن لوقف فوري لإطلاق النار. وقالت في المؤتمر الصحافي <نريد وقف العنف بشكل ملحّ على أساس يكون دائما هذه المرة>، لان <هذه المنطقة شهدت الكثير من إعلانات وقف إطلاق النار التي خرقت>. وأضافت ان <ما اتفقنا عليه هو انه يتعين وجود قوة دولية بتفويض من الأمم المتحدة تكون لها قدرات كبيرة وقوية للمساعدة في إقرار السلام ودعم الجهود الإنسانية>. وأوضحت ان <اجتماعات متعددة الأطراف> حول هذه القوة ستجري <في الأيام المقبلة> لبحث مهمتها بشكل خاص.

وحثت رايس سوريا وإيران على تغيير سياستيهما. وقالت <اننا قلقون جدا من دور إيران> في لبنان. وأعربت عن <أملي في أن يتمكن من يملكون نفوذا ويمكنهم أن يؤثروا عليها إقناعها بضرورة عدم استخدام قوى متطرفة والتورط مع القوى المتطرفة التي تهدد بضرب الاستقرار ليس في لبنان فقط، بل في المنطقة بمجملها>.
وأضافت رايس ان <سوريا لديهما مسؤوليات بموجب القرار 1559 لم تمارسها، ونطالب بأن تفعل ذلك>. ورأت انه <حان الوقت كي يتخذ كل شخص خيارا. يستحق الشعب اللبناني ديموقراطية مستقرة، لبنان سيد بالكامل يعيش بسلام مع نفسه وبسلام مع جيرانه>. وشددت على <أنها ليست مسألة استعداد للتحادث مع سوريا، بل ما إذا كانت سوريا مستعدة للتصرف>.

وتابعت رايس <سنساعد الحكومة اللبنانية على بسط سلطتها بالكامل على أراضيها كدولة سيدة من دون تدخل من جيرانها>. وأوضحت أن ذلك يعني انه <لن تكون هناك ميليشيات، ولكن سلطة واحدة وبندقية واحدة>.

أنان

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى ضم إيران وسوريا إلى الجهود المبذولة لاحتواء الأزمة. وشدد على انه <من المهم أن نجد الإطار السياسي للتفاهم الذي سنتوصل إليه في النهاية عبر مجلس الأمن الدولي وعبر مباحثات مع الدول المعنية>. وطالب ب<مساهمات مبكرة وسريعة في القوة الدولية التي يمكن أن ترسل في النهاية إلى المنطقة للمساعدة على الاستقرار في جنوب لبنان وإعطاء حكومة لبنان الوقت لإعداد قواتها لنشر سلطتها في مختلف أرجاء البلاد... والسيطرة على جميع الأسلحة في البلد انسجاما مع القول: بندقية واحدة، سلطة واحدة>.

دوست بلازي

وعرض وزير الخارجية الفرنسية فيليب دوست بلازي خلال المؤتمر <خطة>. وبحسب نص الكلمة التي ألقاها، قد يتم استصدار قرار في مجلس الأمن انطلاقا من هذا المشروع الذي يركز أساسا على <اتفاق سياسي> بين إسرائيل ولبنان. وقال ان هذا الاتفاق السياسي سيمهد لنشر قوة دولية، داعيا الى <وقف فوري للمعارك>، ومشددا على تدهور الأوضاع الإنسانية في لبنان.

ووضع الوزير الفرنسي <شرطين> لتشكيل القوة الدولية: <يجب ان تتشكل بعد اتفاق سياسي يعتبر مفتاح اي حل دائم يبرم بين كافة الأطراف المعنية>، وان <يرافق القوة تفويض واضح من طرف الأمم المتحدة وقواعد تدخل قوية>. وشدد على ان التسوية السياسية <تقتضي مشاركة وموافقة الحكومة الإسرائيلية والحكومة اللبنانية> التي لا بد ان <تكون محور اي حل>.

وعرض دوست بلازي هذه <الخطة> في شكل <مرحلة> من أربع نقاط قد تطرحها فرنسا التي ترأس حاليا مجلس الأمن الدولي حتى نهاية الشهر كمشروع قرار يتضمن:

1 الوقف الفوري لكل المعارك لتلبية الحاجات الانسانية الاساسية وحماية المدنيين.

2 ان تحدد الاسرة الدولية اطارا شاملا لتسوية الازمة بالخصوص على اساس القرار 1559 مع تسوية لمزارع شبعا.

3 <يجب ان تشمل التسوية من جهة أخرى سلسلة من الضمانات في المجال الأمني بما فيها شل ترسانة صواريخ وقذائف حزب الله>. ومن شأنها أيضا ان تعرض حلا لمسالة المعتقلين> بين إسرائيل و<حزب الله>.

4 <حينئذ تحدد مهمة قوة امن دولية تهدف الى مساعدة الجيش اللبناني على الانتشار في جنوب لبنان وتعزيز قدراته>.

وعبر الوزير الفرنسي عن أسفه لان المشاركين لم يتمكنوا من الاتفاق إلا على العمل من اجل وقف <عاجل> لأعمال العنف، مضيفا ان باريس كانت تفضل لو تم التوصل الى وقف <فوري> للعنف.