عريب الرنتاوي

شقت الوزيرة رايس ، طريقا التفافيا حول الإجماع الدولي المطالب بوقف فوري وشامل لإطلاق النار ، فتفتق ذهنها الشرير عن حيلة جديدة: تعليق العمليات العسكرية لمدة 48 ساعة لغايات إنسانية ، من دون أن يعني ذلك ، وقفا شاملا للنار ، أو تعهدا بالامتناع عن معاودة القصف.

وما لم تشرحه "الجنرال رايس" ، رئيسة غرفة العمليات العسكرية المشتركة بالتفصيل ، أوضحه الناطقون الرسميون الإسرائيليون: إسرائيل ستواصل قصف ما تزعم أنه منصات لإطلاق الصواريخ ، هدف المهلة الزمنية المحددة لتمكين الجنوبيين من الهجرة عن مدنهم وقراهم.. لا وقفا لإطلاق النار من دون فرض شروط تل أبيب السياسية على لبنان وتحديدا قضية الأسيرين ونشر قوة دولية رادعة في الجنوب ، الحرب ستستمر على الأقل لأسبوع أو أسبوعين.

المعارك لم تتوقف ، والغارات الإسرائيلية تواصلت ، والأيام تتكشف عن مجازر جديدة ارتكبت من دون ضجيج كما حدث في بلدة "صريفا" ورايس تتحدث عن إمكان التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال أسبوع ، أي أن المهلة منحت لإسرائيل لتواصل حربها التدميرية ولتستكمل سياسة الأرض المحروقة في الجنوب والضاحية والبقاع. واشنطن في المقام الأول ، هي التي تخوض الحرب على لبنان ، وإذا كان لا بد من إلقاء اللائمة على أحد فهو هذه الإدارة المخلولة المتعطشة للدمار والحروب في هذه المنطقة ، وإسرائيل كما قال السيد حسن نصرالله ، برزت في هذه الحرب كما لم تفعل من قبل ، كأداة في يد واشنطن ومشاريعها في المنطقة.

عن أي شرق أوسط جديد تتحدث سيدة القنابل الذكية ، وإلى أي حد تقزّم هذا الشرق الأوسط عند هؤلاء المنفصلين عن واقع المنطقة ، الذين بلغ جهلهم بها حد الأمّية المطلقة.. هل سيتمخض نشر قوة دولية في الجنوب عن ولادة هذا الشرق الأوسط الجديد؟ هل تختصر المسألة بنشر مراقبين على الحدود السورية اللبنانية ، هل اختصر الشرق الأوسط بحدود لبنان أو بالأحرى جنوبه وبقاعه؟ وما الذي يعنيه سيد البيت الأبيض بقوله تعقيبا على مجزرة قانا بأن ما يحدث في المنطقة ، هو "فرصة للتغيير"؟ هل كان أطفال الملجأ في قانا هم العقبة على طريق أحلام بوش ورؤاه ونبوءاته؟ أية شياطين تبدت لهذا الرجل في منامه حتى ينطق بما نطق به؟ هل عاودته الكوابيس الموحية بغزة أفغانستان وتدمير العراق مرة أخرى ، وهل سيدفع اللبنانيون ثمن الخرافة والخرف اللذين يجللان زعيم الدولة الأعظم في يقظته ومنامه ؟

رايس تنذرنا بأن الحرب لم تضع أوزارها بعد ، وأن الأيام الأشد سوادا وظلاما لم تأت بعد ، وفرصة التغيير التي سيغتنمها جورج بوش بحاجة لمزيد من الوقود من دماء اللبنانيين وعظامهم.. والشرق الأوسط جديدا كان أم كبيرا ، لن ينهض إلا على الركام والخراب والجماجم الآدمية.

إنها الحرب السادسة ، تقترب من حيث تداعياته ودلالاتها من إحداث "التسونامي الفكري" الذي أخذ يعتمل في عقولنا ورؤوسنا ، والأرجح أن قادم الأيام ، سيحمل معه مراجعات فكرية وسياسية إستراتيجية ، قد تبدأ بعملية السلام ، ولكنها لن تنتهي - على الأرجح - بالإقرار بانعدام جدية الدولة الوطنية وجدواها ، بعد أن تكشفت التجربة في لبنان وفلسطين والعراق عن حاجتنا لمجتمع قوي ودولة ضعيفة.