هيثم المهنا

يا جبل الشموخ الأزلي... تحاكي قممه شموس العزة والكرامة, أعلى من كل القمم العربية العادية والطارئة, ومن كل رؤوس حكام هذا الزمن الذي يصير فيه البغاث بطلاً, والرعديد حكيماً, يا بيدر الفرح الذي حولته يد الطغيان والشر إلى دوحة دم لا أطهر ولا أقدس, يا بسمة الحياة التي يراد لها أن تموت ولن تموت, يا تراب الخير المروي بالدم الطهور, ويا سفراً تعجز عن إيفائه حقه كل الكلمات والسطور...

شكراً لبنان, يا عروس المجد التي خطبها كل المناضلين والشهداء... يدفعون الموت عمن ماتوا وأماتوا, ولم يعرف متى تكون قيامتهم, إن كانت لهم قيامة, يا رحماً لم ينجب إلا البررة, يا مجد الأمة التي طمره سادتها في وحل الذل والمهانة والركوع, تكتب بدم وعد صادق, وعد صادق... وما أصدق الوعد الذي كان يراه البعض وهماً ففدى الحقيقة البيضاء, فكان عنوان عزة وكرامة يوم انهدرت كل كرامات العرب لتبقى العروش قائمة وتنقسم بل وتموت الأوطان " إن كان لهم كرامة "

شكراً لبنان... فرح الأيام القادمة, المرسوم فوق جبهة طفلة السنوات الأربع التي قتل طفولتها شر القوى المتجبرة, وهوان قادة الأمة, وذل المراهنين على الأعداء, فتجاوزت كل المراهنات, فكنت الأجمل رغم الموت والدمار, وكنت الأعظم رغم القلة في الحيلة والمتاجرة, وكنت المليح الذي لا يفسد وده كل عروض المناقصات في دنيا العرب, فكان رجاله مستمرون من صلاح الدين إلى حسن نصر الله, وكان الثمن مقدساً, دم شهيد أو شهيدة يوم تبارى أسياد الأمة على خطب ود الذل والمهانة.

شكراً لبنان, فقد كشفت كل الأقنعة, ومزقت كل الحجب التي تحجب وراءها كل الحقيقة فكنت الصبح الذي انبلج في دياجير عتمة الليل العربي, ينير درب الأحرار في كل دنيا العرب التي أصبحت بيد النخاس رخيصة منهوبة وذليلة, فأكدت أن الحق لا يموت ووراءه حتى طفل رضيع لبان الشرف والكرامة...

شكراً لبنان... وعد وصادق... قاله المناضلون عن كل الأمة... ومن أجل الأمة يوم هانت الأمة على ساستها ومن سمو بسادتها اليوم راهنوا على الغريب الذي ابتسم لهم ابتسامة الذئب فداسهم بكل المهانة والمذلة وما تابوا, عشقوا الذل فذلوا وأذلوا, فكنت السهم العابر في ظلمة دنياهم إلى نور مستقبلنا جميعاً, وعد وصدق, ليس لسمير قنطار ورفاقه... وإنما لكل الأمة لغد الأمة... لنهضة الأمة وكينونتها... لإنسان هذه الأمة الذي حوله سادتها إلى بضاعة رخيصة في أسواق الهوان والركوع.

شكراً لبنان... يا بلد المقاومة والبطولة... يا من استهانوا بك وقالوا بضعفك فكنت الصفعة التي أدمت وجوههم, ونفرت الدم من أفواههم, يوم زغردت في قريتي الصغيرة المتواضعة امرأة تعشق الحياة وطفل يرنو إلى الغد يقفز فرحاً يوم أذاع سيد المقاومة وصادق القائلين باحتراق بارجة الشر والدمار قبالة السواحل اللبنانية, قالت: أشعر بالعزة كما الصاروخ الذي أحرق طائرات العدو فوق هذه العربة في حرب تشرن التحريرية... ها قد عادت, تزغرد وتبكي فرحاً لقدوم العزة ودماً على الأبرياء الذين يموتون فداء هذه العزة والكرامة...

شكراً لبنان... شكراً يا سيد المقاومة... يا من وعدت فصدقت... شكراً أيها العابرون بشرف إلى سعير المعركة من اجل أن نجلس في بيوتنا بأمان... شكراً أيها " المغامرون " كما قالوا عنكم سادة الذل لأنكم أعدتم الأمل فكانت معركة الأمة.
شكراً وعذراً... فكل الكلمات لا تساوي وقفة الشرف التي تقفون... ولا تفي بالواجب تجاه ما أنجزتم... فقد وصلنا حقنا... وعادت لنا الحياة... واقتنعنا بأن أمة لن تموت...

شكراً لكم أيها الرابطون في وجه الموت من أجل أن نحيا... أرى المسيح على ظهر ابن أتان يدخل القدس من جديد وبيده غصن الزيتون ترافقه أرواح البررة وزغاريد الأيامى وفرح الأطفال يهتفون " هذا هو اليوم الذي صنعه الرب " لترتفع أصوات المآذن في معراج الرسول العربي العظيم لتقول " المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ".

شكراً وعذراً على التقصير فبطول عمرنا مقصرون وأنت وحدك من يدفع ضريبة الدم عنا وعن كل العرب والسادة, وأنت خير من يعذر.