عريب الرنتاوي

سنخرج قليلا على قيود "التحليل السياسي الصارم" ووقاره، وسنذهب ولو مرة، للحديث بلغة الحدس وأساليب "العرّافين"، وسنطرح السؤال التالي: ماذا لو أقدمت طهران على إجراء "تجربتها النووية الأولى" قبل الثاني والعشرين آب/أغسطس الجاري؟.

نطرح هذا السؤال وفي أذهاننا جملة من المقدمات التي لا تكفي وحدها لإطلاق التحليلات والنبوءات... منها ما يتصل بالإصرار الإيراني المبكر على هذا الموعد/التاريخ لتقديم إجابتها على "حزمة العصي والجزر" الدولية، علما بأن طهران كان لديها الوقت الكافي لتقديم ردها قبل هذا التاريخ، وهي استمسكت به برغم معرفتها المؤكدة، بأن "الكبار" سيحيلون ملفها إلى مجلس الأمن بعد الثاني عشر من تموز الماضي، وهذا ما حصل وقد صدر "قرار المهلة الأخيرة" قبل يومين.

ثم لنتأمل في التهديدات الإيرانية التي تتحدث "انسحاب مؤكد" من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا ما رحّل ملفها إلى مجلس الأمن، وهي تهديدات متكررة صدرت عن مختلف المستويات ومختلف التيارات في التركيبة القيادية الإيرانية...ولنقرأ جيدا الاستنتاج الذي خلص إليه الرئيس أحمدي نجاد وهو يقرأ فصول الحرب على لبنان وما جرى في مجلس الأمن، وتحديدا قوله بأن بلاده تعلمت دروسا بالغة الأهمية من هذه التجربة.

لنتوقف ولو لبرهة من الوقت، أمام دلالة الحضور الإيراني الكثيف على خط دمشق بيروت والفصائل الفلسطينية، وحرص طهران على شد أزر حلفائها، والذي بلغ حدا غير مسبوق، عندما أعلن قادتها بأن الاعتداء على سوريا سيقابل بتدخل إيراني.

ونختتم بالإشارة إلى تصريحات مرشد الثورة الإسلامية بالأمس، وحديثه عن استعداد إيران لتقديم كل العون للبنان في مقاومته، وبصورة قد تفاجئ الكثيرين.

قد يرى كثيرون في كل ما سبق وأن أشرنا إليه، "فقاعات صابون" وتصريحات لفظية مخصصة للاستهلاك في سوق المزايدات والمناقصات، ونحن ليس لدينا الكثير في المقابل، لتأكيد هذه النظرية أو لدحضها، لكننا وفي هذه الزاوية بالذات، كنا قد تساءلنا، صبيحة اليوم التالي لإعلان طهران عن امتلاكها لدورة الوقود النووي كاملة، عن موعد "المفاجأة الإيرانية التالية"، وفي ظني، وليس كل الظن إثم، بأن المفاجأة التالية ربما تقرع الأبواب، وبأسرع مما يظن كثيرون.

ولقد وجدنا في مفاجآت حزب الله في مواجهاته الضارية مع الجيش الذي لا يقهر، ما شجعنا على البوح بما نحهس به، فإذا كان حزب على هذا المستوى من التواضع، وفي بلد اشتهر بكل أنواع "الاختراقات" ويقوم على كل ما عرف عنه من تناقضات، إذا كان حزب كهذا قد نجح في إدهاشنا ومفاجأتنا، فكيف هو حال إيران، البلد الكبير والمقتدر، والذي تحول خلال السنوات الأخيرة تحديدا، إلى لاعب إقليمي تتخطى مصالحه حدوده الجغرافية.

مرة أخرى، نظن بأن إيران مقبلة على مفاجأة من العيار، وربما قريبا، وعندها ستستكمل لعبة خلط الأوراق وقلب الطاولات فصولها، وسيكون للمنطقة برمتها وجه آخر، غير هذا الذي ألفناه طوال العقود الماضية.