المعادلة الأولية التي يطرحها البعض بقوة بعد ثلاث أسابيع من قصف لبنان: هل يمكن تقدير ثمن تحرير الأسرى بتدمير لبنان؟!! وهو سؤال منطقي لأبعد الحدود بالنسبة للعقل القادر على التعامل مع "الرعب الداخلي" لما قدمته المعارك في ثلاثة أسابيع. فمنذ لحظة القصف العنيف انتقل الأمر من مسألة خطف الجنود والتوقيت إلى مساحة جديدة تدخل فيها أبعاد خارجة عن "العقل" الذي مازال يتعامل بـ"الكشف" بدلا من "القراءة" .. أو حتى بالحدس عوضا عن عمليات البحث.

والمسألة ليست درسا فلسفيا أو تاريخيا أو حتى تبريرا لحزب الله، لأن تقديرات المنطقة لا تقع بيد حزب الله، والجغرافية – السياسية التي يمكن أن تُرسم لن تكون مسؤولية حزب الله فهي قضية حيوية ومتفاعلة منذ ظهور السلام كخيار بديل عن الصراع.

معادلة تقدير الأثمان تبحث بتأجيل المواجهة أكثر من موضوع تحسين الأداء، فما حدث سواء كان مخطط له أو قام حزب الله بتسريعه خرج عن اطار "منطق" الحدث ليقدم مشهدا جديدا من عملية الصراع الدائرة ومن حصر الخيارات أمام مجتمعاتنا بالمقاومة، وبالطبع فإن التسرع اليوم يقودنا إما إلى سؤال "تقدير الثمن" أو باتجاه التعامل مع نموذج حزب الله كصورة مطلقة للمقاومة، وما بين الخيارين هناك مساحة للبحث حول "واقع" لبنان والقدرة على التحكم في معادلتها، والارتباط ما بين السكون السياسي اللبناني أو حتى الشرق أوسطي وما يحدث من معارك عسكرية وسياسية من أجل تغير المنطقة أو "وقف" إطلاق النار.

عمليا ما جرى في لبنان كان يجري يوميا في غزة والضفة والعراق، وعندما انتقل إلى لبنان أخذ بعدا إعلاميا جديدا، لأن عملية التدمير انتقلت هنا إلى "جغرافية" تقليدية هي في الأساس "موقع" اختبار لكل النظريات السياسية بدء من "القومية العربية" ومرورا بـ "القومية السورية" وصولا إلى مسألة الكفاح المسلح ثم استخدام زمن الحرب الباردة لصراع النفوذ وأخيرا "السلام" ... وفي كل ما حدث منذ نصف قرن كانت لبنان نقطة الاختيار لبحث "النموذج" ... وهي مجال المفاجآت ... أما اليوم فيمكن أن تكون اختبار لكسر الإرادات أو حتى لرسم الخارطة التي تريدها الولايات المتحدة وفق "مخاض" لشرق أوسط جديد.

هل يمكن وسط كل هذا التراكب في المعادلة السياسية اللبنانية، التي تختصر عمليا المعادلة الإقليمية" أن نسأل عن طبيعة الثمن؟! أو نتسرع بتقييم حسابات حزب الله بالتحالف مع حنبلاط خلال الانتخابات الأخيرة ... أو حتى بالحديث عن أخطاء استراتيجية، حدثت بالفعل، منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000!! فالمعادلة البسيطة ترى خيارات واسعة، رغم أننا منذ الاستقلال كنا محشورين بالخيارات، وأحيانا لا نملك سوى مسار واحد ...

المقاومة اليوم ظهرت كخيار ضد معادلة سياسية فرضت قوتها على الأنظمة والآليات السياسية، وسواء كان توقيت أسر الجنديين موفق أم لا فإن تشكيل المقاومة كنموذج لا بد لنا من التفكير به وفق صيغة ربما تتجاوز التجربة العسكرية الحالية ... وربما بنسف العقل البسيط.