جوني عبو .. بالتعاون مع مجلة المال

ذات مرة سُئل المؤرخ الشهير (اللنبي) لماذا يُظهر أهل بلاد الشام الكثير من الحماسة القومية والاعتداد بها أكثر من غيرهم من العرب؟ أجاب ببساطة لأنهم أكثر الناس الذين عانوا من ويلات التقسيم والتمزق والحروب ودفعوا أثمان اجتماعية واقتصادية وسياسية من مستقبلهم وزهرة أبنائهم، المؤرخ الشهير وكأنه منذ زمن هذه المقولة كان يستقرأ وجع المستقبل أكثر من أدعياء العروبة القافزين فوق أنهار الحقائق وديمغرافيا الواقع متناسين أن القوة الحقيقية يكمن وجودها في شامنا الواسعة ما نشهده اليوم من عدوان إسرائيلي على الإنسان البريء وإعادة تقسيم ورسم خرائط جديدة لتفصيل قياسات دول ومجموعات يشكل مرحلة فيها من الحسبات الغائبة أكثر مما تتضح فيها ملامح الصورة وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي استنزفتنا ولعلها ما تزال لدى الكثير ممن يشكلون ظاهرة صوتية عروبية الكلام فارغة المحتوى، نعتقد نحن أن حسابات المصالح والقدرة والقوة هامة ويجب أن تضع دوماً في الاعتبار الواقعي ولكن من المهم أيضاً أن نرفدها دوماً بالإرادة والإصرار على التمسك بحقنا المشروع في أرضنا وإنساننا الطامح اتجاه الاستقرار والاستقلال والسلام بناءً على المحاكمات العقلية والمنطقية دون أن يكون ذلك متنفس لكلام تذريه الرياح ولا يتحمله أصحاب اللون الواحد ولا تغسله أمطار الصيف اللاهب لبلاد يزداد تقطيع أواصلها وروابط أبنائها تارة نتيجة لحسابات ومصالح الآخرين على أرضنا وتارة لأنها خطط وأفكار إسرائيلية عدوانية هدفها الإلغاء والسيطرة شبه المطلقة.

ولأن العالم كله يحزن لما يحصل في خاصرتنا القريبة لبنان المجد والإبداع لبنان السلام والتعايش لبنان كنموذج لمكونات سورية بمعناها الواسع فإن هذا الحزن يزيدنا إيماناً بصباح وطن خاطب الشمس فعانقته وأبدع في الأرض فأعطته وجعلت منه مصدراً لإلهام طائر الفينيق الذي كان واستمر وسيبقى مستقبلاً حاضناً لحضارة إنسانية منتشرة في جنبات الكون.

وما عسانا نفعل في سحابة غيم، لا بأس سنقوم من جديد ونقدم للعالم. كما في كل المفاصل التاريخية التي اجتزناها عملاً أكثر تقدماً أكثر تنظيماً أكثر إنسانية أكثر إشراقاً وإبداعاً وسنصفع الجلاد لا كما يفعل الهواة والمتخاذلين، سنصفع الجلاد بحضورنا متوحدين دون استفراد، سنصفع الجلاد أينما وجد، سنصفع الجلاد بنجاحاتنا قبل فوات الأوان وسنجعل معموديته بلون الغروب الأحمر والأسود، سيرحلون عندما نصر على استخدام عقولنا، سيرحلون عندما نعتمد على اقتصادنا وإبداعنا بعيداً عن الحزن السلبي أو غيبيات شرقنا الحالم.

قبل ذلك كله ماذا عنّا... البيت، الحارة، القرية، المدينة، أكملوا معي السلسلة وعمّقوا الحوار، فالأولوية للحوار.