لم تتوقف الحرب رغم قرار مجلس الأمن ... وربما لم يتوقف التفكير فيما منحتنا إياه الحرب، وفيما خسرناه ثمنا لقناعاتنا، لأننا قادرون في هذه اللحظة على لمس قراءات جديدة بعيدا عن الألوان الغاضبة سواء من الحرب أو عدمها.

في المساحات القليلة التي شاهدناها داخل الحرب تغيرت صور البعض، ولم تعد الحداثة ملتصقة فقط فيمن يستطيعون على رسم الإقناع رغما عنا، أو عبر الفهم المتبادل للحداثة والعلمانية وغيرها، وبات واضحا أن حزب الله يقدم فضاء جديدا للتفكير بما أطلق عليه يوما "الحزب الديني".

لم يكن مطلوب من حسن نصر الله تبديل الخطاب الذي اعتاد عليه، أو حتى اعتدنا عليه، لأن المسألة مصداقية وقدرة على التعامل مع الواقع، وليس نوع الخطاب ... ومن هذه النقطة ربما بدأنا نفهم لماذا مللنا حديث التراث، ولماذا أصبح الكذب نوعا مرافقا لصور من يظهرون على الفضائيات، حيث لم يكن مطلوبا من حزب الله إقناعنا بخطابه الديني أو حتى الدخول في مساجلات فقهية، بل يكفي فقط أن نعرف أن المسألة متعلقة بالقدرة على الانتماء إلى طبيعة الصراع كما تمليه معطيات القرن العشرين.

الحرب لم تنته ... لكن الكثير من الوجوه انتهت في داخلنا ... وتناثرت مساحة الحداثة على آفاق جديدة، ليس لأن حزب الله قادر على أن يكون حداثيا كما نريد، بل لأنه استطاع التعامل مع الزمن بشكل واضح ... وأصبح باستطاعتنا أن نكتب تاريخا جديدا لما نهواه من النهضة التي بقيت عالقة منذ اوائل القرن الماضي وحتى اليوم على جدل عقيم وثنائيات مرهقة.

حزب الله قدم صورة لقدرتنا على الإيمان بـ"المصداقية" ولم يعد من المجدي ان نحسب كيف سارت المعركة ولماذا ... لأنها قبل أن تصبح معركة عسكرية كانت صراعا في داخلنا... ورما اكثر من مجرد تساؤلات، بل بحث حقيقي عن الفشل الذي طال الجميع في عملية الصراع يوم كانت العلمانية تكلل رؤوس المقاتلين ... ومن الممكن ان تكللهم من جديد ... عندما يستطيعو الاقتناع ان المسألة مرتبطة أولا وأخيرا بالقدرة على التعامل مع العصر ... ومع حقيقة العمل على أرض الواقع.