بين النائب السوري محمد حبش لا فض فوه، وسفير سورية في واشنطن عماد مصطفى لا «انخرم» له تحليل، عشرات «الدروس» السورية في كيفية مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان وشرح خلفياته واستشراف آفاق الحلول.
حبش قال لاحدى الفضائيات العربية: ان الجيش السوري لو كان موجودا في لبنان لما تجرأت اسرائيل ربما على ما فعلته, السفير مصطفى كشف لمجلة «روز اليوسف» المصرية العريقة ان نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني هاجم البطريرك صفير عندما طالبه ببذل جهد لوقف اطلاق النار في لبنان بقوله: ان اميركا اخرجت السوريين من لبنان وكان على اللبنانيين نزع سلاح «حزب الله» (ولا ندري هل تشيني هو من اخبر مصطفى ام صفير!) ليخلص السفير الى ما معناه ان اسرائيل واميركا قتلتا الرئيس رفيق الحريري لتحقيق انسحاب سوري من لبنان وبالتالي انكشافه امام العدوان الحالي.
هذا الخطاب العقيم يشي ليس باستخفاف اهل السلطة في سورية للحقائق والمعطيات فحسب بل بمحاولة تعميم ذلك الاستخفاف قدر الامكان في مساحات الآخرين املا في اضعاف ذاكرة لم تنم اساسا.
فات حبش ومصطفى وغيرهما من منظري «البديهيات» ان الجيش السوري كان موجودا عام 1978 في عملية الليطاني وموجودا بكثافة كبيرة خلال الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 اضافة الى جيش آخر هو جيش منظمة التحرير الفلسطينية، ووصلت اسرائيل الى مشارف بيروت خلال ايام وطوقت العاصمة من كل اتجاهاتها مدمرة جزءا من القدرات الجوية والبرية السورية اضافة الى «الجيش» الفلسطيني.
اسرائيل، وللذاكرة فقط، لم تستطع بعد شهر من عدوانها الحالي ان تتجاوز شريط الكيلومترات الستة لسبب بسيط هو ان من يقاوم هم اصحاب الأرض وليس من يعتبر الأرض ورقة او مزرعة او صفقة لتحسين الظروف والشروط.
بهذا المعنى، ووفقا للحقائق على الأرض، المنطق يقول: انه كان المطلوب ان يبقى الحريري لتبقى سورية فتجتاح اسرائيل الأرض والجو بسرعة اكبر.
وللذاكرة المثقوبة ايضا فإن القوات السورية كانت في لبنان عند حصول اعتداء 1993 وكانت في لبنان عام 1996 عند حصول «عناقيد الغضب» وكان الشهيد الحريري اللاعب الاساسي في وقف النار وبلورة «تفاهم ابريل» الذي شرعن المقاومة دوليا.
وللذاكرة المثقوبة أيضا فأيضا، لا ينسى احد عملية خطف مصطفى الديراني من قبل كومندوس اسرائيلي في البقاع حيث جرت العملية على بعد 200 متر فقط من احد الحواجز السورية، وحمل هذا المقاوم الشريف مخدرا على الظهر لمدة نصف ساعة ثم في السيارة لمدة ربع ساعة ايضا قبل ان ينقل الى طوافة اخذته الى اسرائيل.
كان من المعيب فعلا ان يتم استغلال التطورات الاخيرة في لبنان لتطلق سورية جملة مواقف بينها التشفي والمزايدة (لو كنا هناك!) واستدراج العروض (مستعدون لحوار مع اميركا يأخذ في الاعتبار مصالح كل دولة),,, ومن المعيب فعلا ان تتناقض السياسة الرسمية السورية تلك مع حالة الاحتضان الشعبي السوري للنازحين اللبنانيين وهي الحالة التي ستكتب لاحقا بأحرف من نور في سجل العلاقة المميزة بين الشعبين.
مرة اخرى، لا ندري ما جدوى بقاء نظرية: «اوراق سورية الاقليمية ضمانة لاستقرارها الداخلي»، فمواجهة التحديات الداخلية السورية من تنمية وتطور وبناء قطاعات مالية وخدماتية واقتصادية وتعليمية وتكنولوجية وتطوير النظام السياسي في اتجاه المزيد من الحريات والتعددية والمشاركة الحقيقية في القرار السياسي عبر آليات ديموقراطية واعطاء دور اساسي لقوى المجتمع المدني,,, هي الضمانة الحقيقية للاستقرار الداخلي، وهي تحديات يمكن التفرغ لها من اجل توفير اجواء معيشية ووظيفية افضل للسوريين ولابنائهم ما دامت المعركة مع اسرائيل في الجولان انتقلت منذ عقود من المواجهة الى «السلم الهادئ» المحروس بالقبعات الزرق.
وبين منطق حبش ومصطفى بأن اسرائيل قتلت رفيق الحريري لتخرج سورية وتجتاح الأرض والاجواء بلا قوة رادعة، والمنطق المضاد الذي يرى ان سورية قتلت الحريري لتدخل اسرائيل وتعيد خلط الامور داخليا واقليميا، ينتقل لبنان الى مرحلة جديدة وهو يدفن قتلاه ويداوي جرحاه ويعاين الدمار الهائل,,, وهي مرحلة يستحسن ان تُقرأ بعناية بدل اضاعة الجهد في «فبركة» نظريات ومحاولة زرع «بديهيات» في أسرض لم تعد مهيأة لذلك.