بعد أكثر من شهر على بدء الحرب في لبنان، يبدو للمراقبين أن وضع واشنطن وحلفائها لم يتغير كثيرا في مقابل خصميها في منطقة الشرق الأوسط: ايران وسورية. بل على العكس، يبدو أن الوضع العسكري يزداد صعوبة على أميركا وحلفائها يوما بعد يوما، خاصة بعدما وجدوا ان الوقائع على الأرض لا تتطابق مع توقعاتهم وخططهم. والأهم من ذلك أن نتائج المعارك على الأرض ستؤثر بلا شك على أي خطط عسكرية وضعتها أميركا أو اسرائيل لأي مواجهة محتملة مع ايران أو سورية مستقبلا. وقد ذهبت صحيفة «ديفنس نيوز» الدفاعية الصادرة في أميركا الى حد القول إن هيبة الردع التي عملت اسرائيل بجهد على مدى سنوات لبنائها من أجل اخضاع خصومها من العرب بدأت «تنهار» في هذه الحرب مع «حزب الله». وتوقعت أن تخلف هذه الحرب عواقب وخيمة على أمن اسرائيل في المستقبل.

ومن أهم العبر التي بدأ يستخلصها المحللون العسكريون من المواجهات بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي هي أن الصواريخ الحديثة المضادة للدروع استعادت مكانتها على ساحة المعركة، بعدما فقدتها في العقدين الأخيرين نتيجة تطور صناعة الدروع للدبابات وناقلات الجند. فقد كشف الغزو الأميركي للعراق مدى تطور الدروع، اذ لم تتمكن الصواريخ القديمة التي كانت في حوزة المقاتلين العراقيين، خصوصاً «آر بي جي-7»، من اختراق دروع الدبابات الأميركية من طراز «ابرامز»، وكانت ترتد عنها كطابات التنس. واكتشف المقاتلون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة هذا الأمر أيضا حينما لم تؤثر هذه الصواريخ في دبابات «ميركافا» الاسرائيلية الصنع خلال الاجتياحات العديدة لقطاع غزة والضفة الغربية منذ 2001. لكن الصواريخ التي يستخدمها «حزب الله»، مثل «ار بي جي- 29» الروسية الصنع أو «طوفان» و «رعد - تي» الايرانية الصنع المزودة حشوات مزدوجة، تمكنت من تدمير عدد كبير من دبابات «ميركافا» وناقلات الجند والجرافات الاسرائيلية خلال المواجهات الاخيرة.

كما أن تكتيكات «حزب الله» أظهرت نجاحاً في التعامل مع عدو يمتلك تفوقاً جوياً مطلقاً وكثافة نيران هائلة، عبر العودة الى وسائل قديمة تعود الى حقبة الحرب العالمية الأولى وهي التحصينات تحت الأرض والموصولة غالبا مع بعضها بواسطة الأنفاق. وهذا تكتيك فعال جدا في ساحات القتال الجبلية الضيقة كما هو الحال على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. اذن، لا بد أن نجاح تكتيكات «حزب الله» سينعكس على الخطط العسكرية الهجومية والدفاعية لكل الأطراف المعنية بهذه الحرب: أميركا واسرائيل وايران وسورية. ويعتقد المراقبون بأن تكتيكات الحزب طُورت بمساعدة خبراء عسكريين من ايران وسورية. ما يعني أن جيشس البلدين سيتبنيان هذه التكتيكات ان لم يكونا قد اعتمداها فعلاً. أما اسرائيل وأميركا، فلا بد أن القيادات العسكرية فيهما تعيدان حساباتهما العسكرية. فالتردد الذي شهدته الحكومة الاسرائيلية حول مسألة تطوير العمليات العسكرية على الأرض هو مؤشر على الارباك الذي أوجدته تكتيكات «حزب الله» في صفوف الاسرائيليين.

أما على الصعيد الاقليمي، فلا يبدو حتى الآن أن إمكانات توسع الحرب كبيرة. وبحسب مايكل ايزنستاد، الخبير العسكري في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (القريب الى اسرائيل)، فإن كلاً من دمشق وتل أبيب تتجنبان حالياً المواجهة العسكرية، كل لأسبابها الخاصة. ولكنه لم يستبعد أي سوء حسابات من أي طرف قد تؤدي الى تصادم عسكري بينهما. ويعتقد الخبير الأميركي أن الحكومة السورية ستحافظ على استراتيجيتها القديمة بمواجهة اسرائيل وأميركا بطريقة غير مباشرة مثل استخدام تنظيمات مسلحة فلسطينية ولبنانية وعراقية.

على صعيد آخر، كشفت صحيفة «ديفنس نيوز» في عددها الأخير النقاب عن سوء حال بعض سفن البحرية الأميركية العاملة في الخليج العربي، ما سيؤثر حتما على أي عمليات عسكرية محتملة هناك ضد ايران. ونقلت الصحيفة عن تقرير للجنة تفتيش تابعة للبحرية الأميركية أن كاسحتي الألغام الأساسيتين «أردنت» و «دكتروس» المتمركزتين في البحرين، حيث مركز قيادة الأسطول الخامس الأميركي، هما في حال يرثى لها وتحتاجان الى اصلاحات كبيرة. وقالت الصحيفة إنه «لو قامت ايران هذا الصيف بزرع ألغام في مضيق هرمز ومياه الخليج فان الأسطول الخامس لن يكون قادرا على استخدام أفضل كاسحتي ألغام لديه للتعامل مع المشكلة». وأضافت الصحيفة التي تعتبر أهم مصدر عسكري في الغرب، أن هذه المشكلة تدل على عدم جهوزية البحرية الأميركية لحماية سفنها من خطر الألغام الايرانية في حال الحرب. وتجدر الاشارة الى أن البحرية الأميركية تعمل منذ العام 2002 على تطوير قدراتها للتعامل مع البحرية الايرانية المؤلفة من عشرات الزوارق والسفن الصغيرة المزودة صواريخ موجهة وطوربيدات.

ويبدو أنه مع استمرار عدم جهوزية البحرية الأميركية لحرب مع ايران ونجاح تكتيكات استخدمها «حزب الله» في الحرب البرية، سيضعف الوضع الاستراتيجي لكل من أميركا واسرائيل أمام ايران وسورية، خصوصاً إذا ما حافظ «حزب الله» على وجوده وقدراته العسكرية قبل اعلان وقف اطلاق النار وانتهاء الحرب الحالية.