من الممكن اعتبار العودة نافذة على الماضي، أو على زمن كانت فيها سورية الغد لقاء على مساحة الوطن، لكننا ننطلق اليوم من بداية أو نقطة هي أمل للاستمرار، والدخول إلى تواصل لم ينقطع رغم توقف سورية الغد.

غابت سورية الغد بعد "الحرب السادسة" ... وخلال أشهر طويلة كانت السياسة تتجاوز ما يرغب به البعض، وترسم صورة للشرق الأوسط خارج ما تخيله الجميع، أو ربما ضمن مساحة من التداعي والسقوط السريع للصور القديمة، والثقافة التي ظهرت بعد الحادي عشر من أيلول، فتعرفنا على اجتياح العصور الوسطى لجغرافيتنا، واستعدنا زمن "الاقتتال المذهبي" بصيغ "حديثة" .. لكن ما حدث أو ما سيحدث يدفعنا نحو قراءة الحدث الجديد بعيدا عن مألوف السياسة، أو التحليلات التي كتبتنا على شاكلتها، فتعرفنا على "الصراع المذهبي" وعلى اقتسام عالمنا على أهواء "التراثيين". لكنها في الواقع صورة مناقضة لما يريد البعض ان يدخلنا فيه.

ما حدث على مساحة الأشهر الماضية يمكن تفسيره على طريقة "جهل" جورج بوش لما يمكن أن يواجهنا نتيجة الحروب التي اندلعت بعد حملة "الحرب على الإرهاب"، وباستاطاعتنا أن نراه ارتدادا للماضي على صياغة الحروب المذهبية. لكننا نستطيع أيضا فهمه على أنه:

  عدم جرأة في مواجهة أزمتنا الحقيقية، أو حتى عدم الاعتراف باننا نحتاج لمراجعة ثقافية بالدرجة الأولى، قبل أن نطلق على ما يحدث بأنه "صراع مذهبي".

  ربما يندفع الرئيس الأمريكي إلى الحديث عن "طوائف"، أو تدرس مراكز البحث اقتسام "السلطة" على شاكلة "التجربة الديمقراطية" في العراق. لكننا نستطيع أيضا الاعتراف بأننا في مواجهة الأزمات التي رافقت "دول الاستقلال" حصرنا "ابداعنا" في تفسير ما يحدث، أو في رسم "الإيديلوجيا" كحل نهائي لصراعاتنا، ثم توقفنا عند حدود السياسة .. أو انتهينا في الجدران التي نصبناها حولنا كـ"سياسة" لا يمكن ان نحيد عنها.

  لا نستطيع انكار عودة التراث ... لكنه يعود بصورته المأزومة، فبدلا من أن يدفعنا للتفكير يتركنا على مساحة سهلة من التفسيرات أو التبريرات، فلا نرى سوى "أزمة الاستراتيجية الأمريكية"، بدلا من رؤية أزمتنا أو عدم قدرتنا على التحرك في مساحة المستقبل، فندعي أننا "نقتتل على الماضي" .. لكننا على ما يبدو عاجزون على تشكيل أنفسنا بما يتوافق مع الحاضر.

في فترة غياب سورية الغد تحدث البعض "عن بيئة استراتيجية جديدة" بعد الحرب السادسة، وهو اتجاه ظهر بشكل واضح في الدراسات التي بحثت في نتائج الحرب.. لكن على ما يبدو فإن "السياسة" مصرة على خنق نفسها بالبيئة القديمة.. أو اقناع نفسها بأن "البيئة" الأفضل هو ما تم طرحه بالشرق الأوسط الكبير أو الموسع أو المحشور بمصطلحات القرون الوسطى. لكن البيئة الاستراتيجية الجديدة هي واقع يحتاج إلى تنفيذ ثقافي ... قبل أن تصبح آليات سياسية تقدم "الشرق الأوسط" كما تريده مجتمعاته لا كما تتم صياغته في مراكز الأبحاث في العالم.