سمير عواد ..الراية
نفي رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قبل أسبوع معلومات أوردها تقرير نشرته صحيفة إسرائيلية وسرعان ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية جاء فيه أن إسرائيل توصلت بعد مفاوضات سرية مع سورية دامت عامين لصفقة تجعل السلام ممكنا بين البلدين. وقال دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوي لم تذكر الصحافة الألمانية اسمه أن محادثات سرية تمت فعلا وكشف أن الحكومة الإسرائيلية كانت علي علم بها.

وحملت وسائل الإعلام الألمانية رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت مسئولية تضييع فرصة تاريخية للتوصل لاتفاق سلام مع سورية.تشير معلومات نشرت هنا حول القضية أن كل شيء تم صدفة. حين زار الرئيس السوري بشار الأسد تركيا في يناير عام 2004 نزل في نفس الفندق بمدينة اسطنبول الذي كان يقيم فيه الدبلوماسي الإسرائيلي ألون ليل. ويرتبط هذا الدبلوماسي الإسرائيلي بعلاقات شخصية وثيقة مع وزارة الخارجية التركية منذ أن كان يشغل منصب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية. بالنسبة لبعض المراقبين قد لا يكون اختيار الفندق مجرد صدفة.

إذ بعد بضعة أيام سلم دبلوماسيون أتراك رسالة هامة من الرئيس الأسد إلي ليل يوضح فيها رغبته في مواصلة مفاوضات السلام مع إسرائيل من النقطة التي توقفت المفاوضات عندها في عهد والده الراحل حافظ الأسد. لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت عرض الرئيس السوري خشية إزعاج واشنطن التي لا تعتبر سورية وإيران من الدول المارقة بل تتهمها بفتح حدودها مع العراق لأعداد المقاتلين الذين يحاربون الجيش الأمريكي في بلاد الرافدين. قرر الدبلوماسي الإسرائيلي ليل علي الأثر السعي لإجراء محادثات سرية علي غرار المفاوضات في أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي انتهت بالتوقيع في 13 سبتمبر 1993 علي ما يسمي إعلان أوسلو. في الغضون لا يشير أحد لهذا الإعلان لأن إسرائيل لم تمتثل به ولم تنفذ بنوده. لكنه مكن ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني الراحل من العودة إلي الأراضي الفلسطينية وهو اليوم مدفون فيها.

كان ليل يأمل أن تنتهي محادثات سرية بصفقة تماما كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية. حسبما جاء في سياق المعلومات مثل سورية في المحادثات السرية إبراهيم سليمان وهو رجل أعمال سوري يعيش في واشنطن ينحدر من قرداحة مسقط الرئيس السوري بشار الأسد.لهدف بناء إجراءات الثقة خلال المفاوضات السرية شعر الإسرائيليون والسوريون أنهم بحاجة إلي مراقب حيادي وهو نفس الدور الذي لعبه مسئولون من حكومة النرويج خلال المفاوضات السرية في أوسلو ولهذا الهدف وقع اختيار الطرفين علي نيكولاس لانغ وهو مستشار حول شئون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية السويسرية وكان قد لعب دورا مهما في وضع ما يسمي مبادرة جنيف وهي خطة سلام شارك في وضعها في صيف 2005 شخصيات فلسطينية وإسرائيلية لكنها انتهت بالفشل لأن الحكومة الإسرائيلية تجاهلتها. علي مدي عامين كاملين كان المفاوضون يجتمعون باستمرار في مكان سري في سويسرا. مع حلول صيف عام 2005 وافق المفاوضون علي وثيقة من ست فقرات تحتوي وهذا المدهش، علي تنازلات واسعة من سورية. كان واضحا أن سورية مستعدة لأي تنازلات شرط أن تستعيد هضبة الجولان لأنه هدف أساسي لدمشق. جاء في الوثيقة أن إسرائيل مستعدة لإعادة هضبة الجولان التي احتلتها خلال حرب الأيام الستة عام 1967 إلا أن إسرائيل ستحتفظ بأرض حولتها إلي حديقة عامة واسعة المساحة في الجولان. كما اشترطت إسرائيل فرض سيطرتها علي منابع المياه من نهر الأردن ومن بحر الجليل وفي المقابل تتوقف سورية عن دعم الجماعات الإسلامية اللبنانية والفلسطينية مثل حزب الله وحماس. صرح الدبلوماسي الإسرائيلي ألون ليل أن وزارة الخارجية الإسرائيلية كانت علي علم بتفاصيل كل لقاء أجراه مع زميله السوري وأبلغ ليل مجلة(دير شبيغل) أن خمسة علي الأقل من كبار الموظفين بوزارة الخارجية الإسرائيلية كانوا يتابعون المفاوضات السرية إلي جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. وقال ليل: علي مدي عامين كاملين كنا نحاول إقناع الحكومة الإسرائيلية أن الرئيس السوري بشار الأسد يريد التفاوض مع إسرائيل. كما قام الدبلوماسي السويسري لانغ الذي كان يلعب في هذا الوقت دور الوسيط بالتأكيد للحكومة الإسرائيلية علي صدق نوايا الرئيس السوري واستعداده لقبول الصفقة خلال زيارة قام بها علي القدس وكان قبل ذلك قد أجري محادثات مكثفة مع فاروق الشرع نائب الرئيس السوري ووزير الخارجية السوري وليد المعلم.
وقال: المعلومات التي نشرت هنا في الصدد أن نوايا سورية كانت واضحة من خلال موقفها حيال الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله في لبنان خلال الصيف الماضي إذ اقترحت دمشق عقد لقاء رسمي بين نائب وزير الخارجية السوري ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية لكن حين قام ليل بالاستفسار عن موقف حكومة أولمرت تجاه الصفقة المقترحة بلغه أن الحكومة الإسرائيلية رفضتها وحين سمع السوريون بذلك أوقفوا اتصالاتهم غير الرسمية مع إسرائيل. وفي أول خطاب ألقاه الرئيس الأسد بعد توقف المعارك في لبنان أشاد بحزب الله وانتقد إسرائيل بشدة وقال أنها لا تريد السلام. واعتبرت واشنطن التي لم تكن علي علم باللقاءات السرية في سويسرا أن الرئيس السوري غير مهتم بالسلام ومنذ ذلك الوقت يسود توتر علي مسار العلاقات الأمريكية السورية.

وحين بدأت صحيفة(هآرتس) تكشف النقاب عن المفاوضات السرية سارع أولمرت الغارق بمشكلاته الداخلية منذ هزيمة إسرائيل في لبنان والفضائح المرتبطة بأسماء أعضاء في الحكومة والجيش، إلي نفي ما نشرته(هآرتس) وقال أنه لا يعلم أي شيء بالخصوص بل حاول التقليل من ليل وقال أن هذا لا بد كان يتحدث مع نفسه وقال أولمرت أنه قبل التفاوض ينبغي أن تتوقف سورية عن دعم حماس وحزب الله. لكن ليل يشير لوجود أسباب أخري جعلت أولمرت يعارض الصفقة السرية إذ غالبية الإسرائيليين يعارضون إعادة هضبة الجولان إلي أصحابها الشرعيين في سورية كما لا يشعر أولمرت أنه قوي فعلا لإجراء مفاوضات سلام مع سورية في الوقت الحالي كما تعارض واشنطن في الوقت الحالي قيام مفاوضات بين سورية وإسرائيل وتضغط من أجل ذلك. وقال اللواء أوري ساجي الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية والذي شارك في المفاوضات السرية في سويسرا: لست من نوع الأشخاص الذين يقسمون العالم إلي جزء طيب وجزء شرير. ليست هذه أول مرة يري ساجي رئيس وزراء إسرائيلي يفقد أعصابه في لحظة حاسمة. في عام 2000 سافر ساجي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك إلي واشنطن للقاء الرئيس السوري حافظ الأسد. كان واضحا أن الجانب السوري مهتم بصلح مع إسرائيل لكن باراك شعر بالخوف من رد فعل الشعب الإسرائيلي وأضاع بدوره فرصة تاريخية الأمر الذي ذكره الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في مذكراته.