التطورات السياسية الداخلية في الكيان “الاسرائيلي” تحمل مؤشرات لعلاقة جديدة مع سوريا توحي بخلافات مع الموقف الامريكي الاقليمي معها. فالانباء التي تسربت عن وجود مفاوضات سرية سورية “اسرائيلية” نفتها سوريا فيما بعد، والحديث المتكرر لوزير الحرب عمير بيرتس وبعده رئيس الحكومة ايهود اولمرت عن ضرورة تجديد المفاوضات مع سوريا، وأخيرا العودة المحتملة لرئيس الحكومة الاسبق ايهود باراك إلى واجهة الحياة السياسية في “اسرائيل” كلها مؤشرات توحي بأن القطيعة في المفاوضات بين سوريا والكيان باتت محتملة، لكن هذا الاحتمال يأتي في وقت جددت فيه واشنطن ضغوطها على سوريا وايران باعتبارهما “محور الشر” لدورهما المعرقل للمشروع الامريكي في العراق ولدعمهما حزب الله في لبنان وما تسميه “المنظمات الارهابية” الفلسطينية.

فغداة سريان قرار وقف الأعمال الحربية بين حزب الله و”اسرائيل”: في اغسطس/آب الماضي دعا عمير بيرتس إلى ضرورة ان تهيئ “اسرائيل” الظروف لحوار مع سوريا، وعاد هذه الايام ليؤكد ان سوريا هي “مفتاح الاستقرار” في الشرق الأوسط. وبعد بيرتس جاء ايهود أولمرت ليعلق على تصريحات ادلى بها الرئيس السوري بشار الاسد لصحيفة “لاريببليكا” الايطالية دعا فيها اولمرت إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وقد ابدى اولمرت قدرا ما من التجاوب مع دعوة الاسد لكنه ربط فرص التفاوض مع سوريا بعلاقتها مع حركة “حماس” وحزب الله الأمر قد يختلف كثيراً في حالة عودة باراك مجدداً إلى واجهة السلطة فهو الآن يحظى بالأولوية في تولي قيادة حزب العمل بدلاً من بيرتس، وتحدث عن تطلعه لتولي منصب وزير الحرب في الحكومة الحالية بدلا من بيرتس، لكنه حتماً سوف يسعى إلى رئاسة الحكومة في ما بعد اذا مكنت قيادته لحزب العمل الدفع بالحزب إلى نجاحات انتخابية تؤهله لذلك. فباراك الذي كان دخل في مفاوضات جادة وعميقة مع سوريا تحت رعاية الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون بات يدرك انه أضاع فرصة السلام مع سوريا.

قد تحدث تطورات جديدة بالفعل في هذا الاتجاه لكن المشكلة أنها، أي التطورات تأتي في ظروف غير مناسبة بعد ان شرع الرئيس الامريكي جورج بوش في تنفيذ استراتيجيته الجديدة في العراق.

سوريا في ظل استراتيجية بوش عادت لتصبح طرفا أصيلا في “محور الشر” في مواجهة ما تسميه الولايات المتحدة “محور الخير”.

وهكذا تتراجع الطموحات السورية التي أعقبت زيارة وزير خارجيتها وليد المعلم لبغداد، وهي الزيارة التي حرص خلالها المعلم ان يعلن موقفاً سورياً من قضية الانسحاب الأمريكي من العراق لا تختلف كثيرا عن الموقف الأمريكي منها، حيث ربط بين الانسحاب وتمكن الحكومة العراقية من تسلم الملف الأمني كاملاً، كما ربطه بقرار من الحكومة العراقية. هذه الطموحات تجددت مع توصيات “لجنة بيكر هاملتون” التي كانت قد دعت إلى ضرورة فتح حوار أمريكي مع كل من ايران وسوريا بخصوص العراق، كما دعت إلى انسحاب أمريكي وفق جدول زمني مقبول من العراق.

كما تتراجع هذه الطموحات بدعم “محور الاعتدال” للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق، بعد ان ترددت أنباء عن وجود اتجاه امريكي لنزع دمشق عن طهران في محاولة لتفكيك التحالف بينهما وكانت سوريا قد أبدت بعض التجاوب مع هذا المسعى، عندما تعمد الرئيس بشار الأسد ان يقول في حوار مع صحيفة “دير شبيجل” الألمانية انه يختلف مع الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد فيما يخص دعوته لإزالة “اسرائيل” عن الخريطة وانه على العكس من ذلك يريد سلاماً مع “اسرائيل”.

زيارة جلال الطالباني رئيس العراق لدمشق، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس عراقي لدمشق منذ سنوات طويلة، والتي تزامنت مع جولة رايس الاخيرة جاءت هي الاخرى في الزمن الصعب، فرغم ما أظهرته من ايجابيات إلا انها لم تستطع ابعاد سوريا عن المرمى الأمريكي.