الرائج ان الولايات المتحدة هي التي تمنع اسرائيل من فتح مفاوضات مباشرة مع سوريا.

والكشف عن المفاوضات السرية "غير المسؤولة" بين البلدين اتى ليعزز هذا الانطباع.

أما الاسباب فمعروفة، وتتلخص في الورطة التي انزلق اليها الرئيس الاميركي في العراق، والتي استتبعت مواقف بات اسيراً لها.

فهو اسير للخلاف مع دمشق كامتداد لتدخلها في العراق، ومشكلتها مع لبنان، وليس لأن هناك تناقضا مبدئيا في المصالح بين الولايات المتحدة وسوريا.

من هنا تترسخ صورة ان الظروف باتت ناضجة لعمل سوري – اسرائيلي، وانه لا يقف في وجهها الا هذا الرئيس الاميركي ذو الحظ العاثر.

ويعزز هذا الانطباع اصحاب نظرية ان الصراع الدولي الاساسي في هذه المرحلة هو الصراع بين الغرب والعالم الاسلامي الناهض. وانه في هذه المواجهة لا بد من ان يبادر الغرب الى نزع الفتيل الفلسطيني الذي يشكل اساس المظالم التي يعاني منها العالم الاسلامي والتي ترفع لواء تصحيحها الحركات الاسلامية.

وساهم في هذا الانطباع الدور الايراني الاخير في الساحة الفلسطينية عبر دعم "حماس"، ووصول الحليف الاول للرئيس بوش في العالم طوني بلير الى الاستنتاج بأنه من دون حل القضية الفلسطينية لا امل بمواجهة ناجحة للارهاب الاسلامي.

امام هذه الضغوط المعنوية المتعددة المصدر وجدت الادارة الاميركية ان من مصلحتها اعطاء الانطباع بأن هناك تحركا على المسار الفلسطيني، خصوصا لوجود طرف فلسطيني يمكن دعمه والتعاطي معه، وهو الرئيس محمود عباس، ولأن الملف الفلسطيني بذاته لا يطرح تحديا مباشرا يتعلق بالتسوية النهائية.

في المقابل من مصلحة الحكومة الاسرائيلية عكس الأولويات، اي مباشرة مفاوضات مع دمشق تضع المحور السوري – الايراني وامتداداته اللبنانية والفلسطينية امام الامتحان، وانتظار تفاعلات الساحة الفلسطينية التي وصلت الى ما كانت تتمناه اسرائيل دوما، الحرب الاهلية وليس حافتها.

هذا التعارض في المصالح الآنية يُحَلّ ولا شك لمصلحة الاولويات الاميركية، اي الاولوية الفلسطينية على حساب المسار السوري، مما يساهم في اضعاف رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت المهدد اصلا بالتحقيق في الحرب اللبنانية وقضايا اخرى متعلقة بالفساد.

لكن بعيدا من هذه الاعتبارات المعنوية، هل يمكن اعتبار ان ثمة اطرافا باتت جاهزة للتسوية؟
اسرائيل التي تُدعى لاختبار النيات السورية، حتى على لسان زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، تشير استطلاعات الرأي فيها الى اتجاه الرأي العام يمينا. فمشروع الوسط الذي عبّر عنه تأسيس ارييل شارون حزب "كاديما" يتفكك لدى الرأي العام الاسرائيلي الى مكوِّنيه الاساسيين: الانشقاقات عن الليكود والعمل.
وبذلك يعود الانقسام الاسرائيلي التقليدي الى يمين ويسار مع غلبة ساحقة لليمين، فهل يمكن اعتبار هذا الاتجاه لمصلحة حل، اي حل، على اي من المسارين الفلسطيني والسوري؟

وهل سوريا المشتبكة مع اميركا، والمتحالفة مع ايران، بقادرة على القفز الى الصلح مع اسرائيل، مع ما يتطلبه ذلك من تنازلات متبادلة؟ علما بأن تجارب السلام العربية – الاسرائيلية كانت تتم دوما على قاعدة الانفراج اولا في العلاقات العربية – الاميركية ليلحقها تاليا انفراج عربي – اسرائيلي، حتى في حالة التفاوض الثنائي الذي يتم بعيدا عن التدخل الاميركي.

والولايات المتحدة التي لا تجد امامها سوى الأولوية العراقية، وما ينجم عنها، هل هي مؤهلة اليوم للعب دور المحرك للعملية السلمية مع ما يتطلبه من ضغوط، على اسرائيل اولا، فيما الطرفان الاساسيان المقابلان: سوريا وايران، معنيان اولا بالنفوذ في المنطقة لا بمصير التسويات الخاصة مع اسرائيل؟

لم تكن المنطقة يوما ابعد من اجواء التسوية مما هي اليوم، وما يجري عمليا هو الاستعداد للمواجهات التي ستحسم الاوزان الاقليمية قبل ان تنصرف الى النتائج الطبيعية لذلك على ملفات التسوية.