حسين الربيعي

هل هناك توافق بين حقوق الأنسان والديمقراطية ، أم هناك تناقض يدفع وجود أحداهما لأزالة الآخرى؟ قد يبدو السؤال مبهماً وشاذاً وغير منطقياً ، فالديمقراطية في مفهومها الحقيقي ليس وفقاً لنظريات التطبيق الغربية والشرقية في آن واحد ، ولكن بمفهرم واضعيها منذ أمد بعيد في فترات سحيقة من حياة البشر.. أنها حكم الأنسان لنفسه ، أو حكم الشعب للشعب ، وهي وفقاً لهذا فقد عاشت في عقول ألفقراء ، والمظلومين ، وألتعساء من أبناء ألبشر.. ألطريق نحو سد الحاجات ألأنسانية والعدل ومجتمع الرفاهية.. وهي لذلك لا بد أن يفتح ألطريق واسعاً على حرية الأنسان بأمتلاك أو أسترداد حقوقه في ألعيش بكرامة .. ذلك هو مسعى البشر وألمثقفين ألذين يحلمون بالرحمة و ألأنسانية والأخوة ، ولكن ما هي المحصلة.. وما هي النتيجة ؟

في عراقنا الكبير ، الممتد تأريخه نحو الآف من ألسنين ، وقبل أن تبزغ على الدنيا ألمعرفة ، صدر عندنا أول قوانين الدنيا.. وسطر حمورابي في مسلته حقوق الدولة وحقوق ألمواطنة ألتي سميت فيما بعد بحقوق الأنسان وأصبحت (بلاد ألسواد) رمزاً للعدل الآلهي.. حتى وأن تعاقب عليها الغزاة وألمحتلين ، فغزاة الماضي كانوا يتآثرون بحضارة وادينا ، فيأخذون منها.. أو أنهم يحطون في أرضنا فيندمجون فيها مستفيدين من ثرواتها وعلمها وطيبة شعبها.. وحينما جاء ألأسلام.. على يد أبناء الجزيرة العربية ، أحتضنهم أخوتهم ألعرب من (أرض ألسواد) ، وأنبثقت حضارة ألأسلام ألتي فتحت طريق النور والهدى أمام شعوب ألعالم خلصتها من ضلاميتها السوداء . وكانت لبغداد عاصمة العراق.. بل عاصمة الدولة الأسلامية في عهد العباسيين دوراً بارزاً ، كما كان قبلها دورُ حضاري لباقي مدنها ، كالبصرة والكوفة ونينوى وسامراء .

الهذا.. بل أقول .. لهذا جائتا ألغزوة هذه المرة ، تحت يافطة الديمقراطية ، وحقوق الأنسان ، ومنظمات المجتمع المدني ، والدستور ، والأنتخابات.. ستاراً حديدياً تتقنع خلفه وجوه الأشرار الذين لا يؤمنون الا بالهيمنة والدكتاتورية العالمية، ويرتكبون أبشع الجرائم ضد الأنسانية وحقوق البشر ، وفي غوانتنامو، وفي سجون أبو غريب و بوكا وغيرها من سجونهم ومعتقلاتهم المنتشرة على امتداد نهري دجلة والفرات وشط العرب، وسجلوا أبشع صور الأعتداء الجنسي وغير الجنسي ، واستخدموا مختلف الألفاظ والتصرفات مع ألناس في بيوتهم ، وشوارعهم ، وأسواقهم ، ضرب بقناني ألماء بأستهانة وأحتقار كل شرطي لا يقطع لهم الطريق قبل أن تصل (قوافلهم) ألمؤللة . بل قتلوا من شبابنا وأهلنا.. من كان غافلاً وغير مدرك لوجودهم .

ومع هذا ، فقد يصيب ما قلنا البعض ولا يصيب آخرون ، وقد تحترق قرية ، وقد يقصف منزل، وقد تحترق سيارة ، وقد يقتل بقصد أو بغير قصدٍ مواطن ، وقد ينتهك شرف عراقية.. مكانها قرة ألعين . ودفء ألنفس ، وعذوبة ألأيمان وألشرف و الكبرياء.. وقد تقتل بعدها أو تحرق !! قد يكون هذا وذاك ...

ولكننا لا نريدأن نتحدث عن هذا الأسلوب الديمقراطي ! ولا عن هذه الحقوق الأنسانية ! لأن هذه لأمور ، مسائل سياسية من الدرجة الكبرى ، المجرم فيها حر.. لا يقاضيه القانونه ألذي يحمي نزواته وشهواته وأحقاده . أني فقط أريد أن أرفع صوتي .. بحقوق ألبسطاء من ألناس ، ونحن منهم .

فهل الديمقراطية ، وحقوق الأنسان التي قدمت طلائعها في التاسع من نيسان من عام الحرب الأمريكية ضد العراق . ألا يحق للمواطن العراقي كغيره من البشر في فصل الشتاء ؟ أليس من حقه أن ينعم بدفء مدفئة نفطية او كهربائية.. بل حتى خشبية ؟! أليس من حق ألمواطن العراقي أن يتمتع بنور الكهرباء بعد أن مضى على اكتشافه أكثر من قرن .. واستفاد منها قرى على متون المدن الأفريقية و غير الافريقية؟ أليس من حق ألمواطن يأكل ويلبس ويدخر ، ويجدد أثاثه ، ويصلح منزله و داره؟ هل هذه حقوق غير إنسانية ..فتحول حقه فقط أن يسمح له بدفع نصف مرتبه لصاحب المولدة ألذي يسد أقل من ربع حاجته للكهرباء ، ويدفع ألباقي لقليل من لترات ألوقود ، وأسطوانة غاز ربما .. وبعض من أكل .. لا يسمن و لا يغني عن جوع . ويسمون في بلادي (قوت لايموت) .

نعم .. يا أساتذة الديمقراطية .. وحقوق الأنسان .. من واجبنا نحوكم .. كما تظنون .. أن نقدس أهاناتكم تحت عناوينكم الديمقراطية ، ونسكن الى دورنا قبل أن تودع ألشمس ألسماء ، وقبل أن يحل ألظلام ، تريدوننا أن ننام كي تنعموا في أمريكتكم بالدفء و الثروة ألتي تسرق يومياً دون أنصاف .. أما الباقين .. من حاشية التتار.. يخيم عليهم ألسكوت وألخنوع .. وحينما يقول الشيخ اليعقوبي .. حاميها حراميها .. لا يقبلون .