من الطبيعي أن يشعر الإعلاميون بالإرهاق بعد أن أصبحت الحركة الديلوماسية باتجاه سورية تحمل طابع "التعبئة"، فالمؤشرات توحي بأن "استراتيجية يوش الجديدة" كسرت طبيعة التعامل السياسي القديم، وأوجدت استحقاقا آخر، يرتبط بـ"استيعاب الصدمة" التي يمكن أن تحدث، على الأخص أن بوش اعتبر أن العام الحالي سيكون قاسيا.

عمليا فإن صورة العنف لم تتبدل، لكن القلق يظهر من الاستخفاف بالتصعيد الذي يظهر على خلفية "تطوير الحرب"، والتعامل مع دول الجوار الجغرافي للعراق بشكل مستقل، مع محاولة اختراق جديد يكرس صورة المحاور التي تجعل الإدارة الأمريكية مطمئنة لنوعية الانقسام الذي بدأ منذ احتلال العراق وتكرس خلال حرب تموز، فذروة الأزمة كما تبود اليوم هي الاستحقاق الإقليمي الذي يظهر في الاستغناء عن الحلول الدبلوماسية التي تجمع الحكومات، والدخول في رهان ربما يكون الأخير في تكريس استراتيجية تخلق قطيعة مستمرة في الشرق الأوسط.

فذروة الأزمة واقع يشعر به الجميع، ويدفع السياسيين إلى رؤية التبدل الذي حدث منذ ست سنوات وحتى اليوم، حيث جعلت "الحرب على الإرهاب" صورة الشرق الأوسط تواجه واقعها المؤجل، وربما تكتشف أنها قامت منذ منتصف القرن الماضي على تناسي أزماتها الداخلية، لتواجهها اليوم بشكل مزدوج ما بين استحقاق داخلي وتدخل دولي، فالشرق الأوسط منذ البداية ظهر كنتاج الدولي ... وتم رسمه على شاكلة الأزمات التي يمكن أن تنفجر، لكن الواقع الدولي لم يكن يملك أفضل من الصورة التي قدمها وبقي يدعمها حتى احتلال العراق، عندما رأت مراكز الأبحاث الأمريكية ضرورة التأثير في ثقافة الشرق الأوسط، وبغض النظر عن هذا المشروع المتقلب، لكنه شكل مراجعة "متسرعة" بعد أن تكرس الانقسام على امتداد عقود بين الرؤية الدولية وما يحدث على الأرض.

فذروة الأزمة اليوم لا ترتبط في نجاح مشروع الإدارة الأمريكية، لأن القدرة على تجاوز التصعيد الحالي مرتبط أولا بإعادة فهم "الأزمة" على أنها تحد خاص، وأنها أيضا مرتبطة بتجاوز المصطلحات المطروحة ابتداء من "الصراع المذهبي" وانتهاء بـ"التطرف" والتعامل معها على انها "ظواهر لغوية" لسياسة تتجاهل أن الشرق الأوسط محكوم بهذا النسيج، وأنه يحتاج لنتاج ثقافي جديد يحاول خلق استقلال معرفي عن النتائج السياسية المفروضة على شاكلة "التجديد" و "التحديث" الذي ظهرت نتائجه بعد احتلال العراق.

ذروة الأزمة تبدو في منطق يريد تأكيد أن كل ما حدث وربما يحدث اليوم "يعاكس" مصالحنا، وهذا الأمر لا يحل بالحركة الدبلوماسية النشطة فقط، إنما بإعادة النظر إلى هذه الانتقادات لوضعها في موقعها الصحيح وليس بتجاهلها أو تبنيها، فالمسألة ليست اختيارا حادا لأننا نحتاج للعودة لابتداع مقياس سياس – وثقافي بعيدا عن الصخب "الدبلوماسي".