تواجه الدرامة التلفزيونية التاريخية مشكلة اعتبارها درس مدرسي في التاريخ، حيث يتم تناولها نقديا على أساس وسيلة معلومية جديدة تنقل ما في بطون الكتب من مآثر وأمجاد وعبر لتعيدها على ابصار (بدلا عن أسماع) المتلقي كوسيلة ايضاح جديدة تكرر ما تقوله بطون الكتب (المنتقاة على وجل) كي تؤكد على ما هو معلوم بالضرورة من خلال الكتب المدرسية وجلسات التناقل الشفهي عن مجد الماضي التليد ومآثره والتي يجب المحافظة عليها طازجة في العقول حتى لا يأتي يوم نقول فيه أين ماضينا التليد ؟ الذي نعول عليه كعلم منقذ من عاديات الزمن!

أما الدرامة التلفزيونية، واذا كانت مخلصة لنوعها، فهي نقلة من المعلومة الى المعرفة، أي ان دورها مختلف عن التاريخ وكتبه في حالتها المعلومية، فقراءة التاريخ توصلنا ليست كل شيىء في صناعة الدرامة التلفزيونية، خصوصا أن التاريخ في حالته المكتبية حمال أوجه فالمصادر والمراجع كلها نسبية الدقة اذا لم نقل الحقيقة خصوصا اذا اعطينا التاريخ حقه كعلم، ولم نخضعه لقدسية الماضي التي تحمل عنوة على أكتاف شخوص هذا الماضي مضيفين اليهم صفات أخلاقية ذات عبر رومانسية تغرق أعيننا بالدموع وجلا من مصيرنا المحتوم أو تمجدا بماضينا الذي أفل دون أن نعيشه ألآن .

وعلى الرغم من أن المطلوب هو درس في التاريخ، ولكن دعاة دروس التاريخ يتطلبون المشاهد الواعي (مع استلاف عدم علمه لأنه بحاجة الى درس تاريخ) كي يكتشف من يريد بتاريخه تشويها أو سوء كي يلحقه فورا بجحافل الشعوبية والتتار، مكررين على اسماعنا مقولة صفاء النسب وكأننا من مجتمعات عاشت الغيتو وحافظت على انسابها كالخيول أو الدجاج، ليصبح اختلاط النسب سبب من أسباب انهيار أمبراطوريات الحلم الذي ننتظر، ينظر اليه بجدية فائقة فالخلاف بين الأمين والمأمون ليس صراعا سياسيا على السلطة وانما أتى بدافع تلوث دم المأمون نسبا بدماء غريبة، حيث تتهافت القراءة المعرفية للتاريخ (كي تتحول الى درامة بنت حداثة) الى حكاية أحقاد صبيانية نحكيها في ليالي الشتاء للأحفاد الذين يحتقرون التلفزيون.

من جهة أخرى يرى دعاة دروس التاريخ الدرامية أن هناك مراجع ومصادر في التاريخ متفاوتتة الجودة وعلى المؤلف الدرامي ان يجد له مصادر ثقة، حيث يحار المرء الى جودة أو ثقة يتكىء فالتاريخ مملوء بالقصص ومتناقضاتها للمؤلفين الثقاة وكل يكتب من وجهة نظر معرفية مختلفة حيث لا تثبت الصفات ولا الأسباب في أي من الحوادث التاريخية ، فاذا اضفنا اليها التدخل المعرفي المعاصر من أجل الحصول على صيغة درامية فأننا لن نحصل عل درس كلاسيكي في التاريخ وبالتالي لن يكون تشويه التاريخ المدرسي هو السؤال، وانما الصيغة الفكرية الجمالية المبتكرة، ومن يريد أن يقرأ التاريخ فعليه العودة الى الكتب شرط أن لا يتشاوف على الناس بفقدانه لأميته ومقدرته الفذة على قراءة الحروف والكلمات، لقد أعطت كتب التاريخ من مصادر ومراجع الحرية (طبعا في ظل المساواة) للقارىء أن يختار ما يقنعه، كما أعطته الحرية لكي يعمل عليه في عصره كما يراه مناسبا، ولا أحد يستطيع أن يحدد كمية الكتب التي قرأها هذا الكاتب الدرامي أو ذاك، ومن ثم يربطها بجودة العمل الدرامي والا كان القياس على جهالة حتى لو تسلح بشعارات بلمطالبة بأنه تجب قراءة التاريخ بنظافة وعمق وعلمية، وهي شعارات مجوجة لأنها تطالب بمصادرة طريقة القراءة لتصبح على طريقة نظافة وعمق وعلمية الداعي الى دروس التاريخ.

التاريخ ليس مقدسا واذا اردنا له ان يكون ذي شأن في حاضرنا فعلينا أن نتناوله بنظرة نقدية (وأرجو عدم الخلط بين النقد والانتقاد)، حيث العبر التي يمكن استخلاصها منه ليست مجرد آهات وتطييب على مواويل نستعيدها شغفا بالعودة للعيش فيه، وليست أقوالا مأثورة نتلمظها ونستجديها للعيش فينا، اننا في القرن والواحد والعشرون، ولا يضيرنا اذا كانت أم المأمون تايلاندية أم يابانية أصلية … فها نحن هنا