سعد محيو

انتقال الصراع في لبنان من التصويت بالأقدام (عبر التظاهرات السلمية) إلى التصويت بالدم (عبر الصدامات المسلحة)، لم يكن لا مفاجئاً ولا غريباً.

فلبنان مدجج بالسلاح من رأسه إلى أخمص قدميه. وليس صحيحاً ان “حزب الله” هو التنظيم العسكري الوحيد فيه. وليد جنبلاط له ميليشياته التي أخرجت مؤخراً أسلحتها من مخازن الجبل ومغاوره. و”القوات اللبنانية” التابعة لسمير جعحع اسمها يدل عليها: قوات مسلحة كانت في الاصل الذراع العسكري لحزب الكتائب. وتيار المستقبل (على ما يشاع) بات له أيضاً تنظيمه العسكري السري، الذي يجب أن تضاف إليه ميليشيات الحزب القومي السوري، والبعث، والمردة، والتنظيمات الناصرية، وفصائل المنظمات الفلسطينية.. الخ.

السلاح متوافر بكثرة، وهو كان في تاريخ لبنان، ولا يزال، “زينة” السياسات الطائفية. الانتقال السهل والسريع من الصراع السلمي الطائفي إلى الصدامات المسلحة، كان على الدوام عقب أخيل القاتل في جسد الديمقراطية اللبنانية. وفي كل حين كانت تصل فيه ازمة التوازنات الطائفية إلى طريق مسدود، كان السلاح هو الحكم. حدث هذا العام 1958 حين انقسم اللبنانيون إلى معسكرين أحدهما أمريكي والثاني ناصري. وتكرر العام 1975 مع الانقسام بين موالين للثورة الفلسطينية ومعارضين لها. وهو يكاد يتكرر في 2007.

لكن مهلاً. السلاح في لبنان، وبرغم كونه لبنانياً، ليس شأناً محلياً. قرار استخدامه أو حجبه في يد الدول الإقليمية والدولية التي تدفع ثمن شرائه، وصيانته، وتجديده، وتدريب المقاتلين عليه. وفي الأزمة الراهنة، لا يبدو ان هذه القوى اتخذت قرار دفع اللبنانيين للتخاطب بلغة الرصاص.

فإيران تبدو حريصة كل الحرص (حتى الآن على الأقل) على وقف انزلاق البلد إلى حرب مذهبية تصب في النهاية لمصلحة خصومها الأمريكيين و”الإسرائيليين”.

والمملكة السعودية، ومن موقع حرصها الدائم على إقامة علاقات متوازنة مع إيران الدولة برغم خصومتها الشديدة مع إيران الثورة، لا تريد هي الأخرى أن يكون تدهور الوضع المذهبي في لبنان لغماً يفجر سياسة التوازن هذه.

هذان العاملان هما الآن الكابح الوحيد أمام انتقال الأزمة اللبنانية من أفواه السياسيين إلى فوهات البنادق. ولأنه لا يبدو في الأفق القريب أن أياً من الطرفين في وارد دفع “زبائنه” المحليين اللبنانيين إلى حسم الصراع على السلطة بالقوة، سيبقى الوضع اللبناني يتأرجح على شفير الهاوية من دون ان يقع فيها، إلى حين تبلور الصراعات الإقليمية الدولية سلباً أو إيجاباً.

أما الضحايا من القتلى والجرحى الذين سقطوا في الاضراب العام الأخير، فيمكن وضعهم في خانة “المضاعفات غير المحسوبة”، والتي طوقها سريعاً قرار حزب الله بوقف التصعيد.

* * *

هل يعني كل ذلك أن هذه الأحداث الدموية لم تدخل لبنان في دائرة الخطر؟

كلا. لكنها لن تدخله إليه من البوابة التي تنصب عليها كل الأضواء الآن، هي بوابة فؤاد السنيورة في بيروت، بل من أخرى غير مرئية: بوابة فاطمة في الجنوب.

كيف؟

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)