لما تزل المحرقة النازية الموضوع الأثير للاعتياش الثقافي في الغرب حيث تم تثبيتها كمفهوم (علمي )وكأنها واحدة من أسباب وجود الحياة والتاريخ ،بل والاخلاق التي لا بد من وجوده الاستمرار العيش البشري ،لتتحول هذه السيرة الى كأئن هلامي يبتلع كل شيىء ويعيد انتاجه ليس كأخيار وأشرار فقط ، وانما كأبطال وانذال،دون الحاجة للجوء الى العقل أو الى الفهم أو حتى الى الجغرافيا ، بل تكفي الاستساغة الشخصية أو عدمها ليتحول الأشخاص وحتى الشعوب الى أبطال أو انذال عبر مختبر المحرقة التي تحولت الى ثابت ، وعلى كل شيئ آخر ان يحدد وجوده نسبة وانتسابا للحضور المحارقي الخلاب ، لتبدو المحرقة مناسبة مفرحة للمعتاشين عليها بدلا من كونها ذكرى أليمة ، ولا بأس بهذه المناسبة أن تصلح البشرية هندامها الثقافي تقربا من هذه الهيولى قبل ان يطلع عليها من لا يستسيغ طريقة التفكير بها ، أو ان مزاجه لم يسمح له التأكد من الحالة الأخلاقية للبشر طالما لم يظهروا الولاء للمحرقة ، وحتى ان أظهروا هذا الولاء ولكنهم لم يفعلوا او يقدموا ما هو مناسب للمزاج المحارقي فالويل والثبور لهم لأنه وببساطة ( ليس هكذا تبجل المحرقة ).

على الاقل هذا ما طلع لنا به روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ، واضعا العقل على الرف ، ليتفرغ للاستساغة ، فهو يستسيغ أو لا يستسيغ موقف الشعوب العربية من واقعة المحرقة حيث جللهم بعار عدم الوقوف في وجهها ، لأنه وببساطة لم يستسغ ردة فعلهم منها آنذاك ( أي في خضم الحرب العالمية الثانية ) ولكن بمفهوم عام 2006 للمحرقة الماضية حيث تتحول المسألة الى حالة من ( التفقيس )حيث الادانة هي المآل الوحيد المسموح به ، لتبدو المحرقة قائمة الآن أو سوف تقوم قريبا ولدى الشعوب العربية علم وخبر بها ولا تقاومها ... هكذا وبكل فانتازيا مرتجلة علينا العودة الى شمال افريقيا في خضم العالمية الثانية ونبحث في الحواري عمن ساعد الالمان ومن عاداهم لنخرج بتصنيف أخلاقي جديد لهم ، ليضعهم في خانة الارهاب تارة ،أو في باب قلة الانسانية أطوارا ، ليتحول روبرت ساتلوف الى حاكم اخلاقي للبشرية جمعاء يقرر مدى صلاحيتهم للانتساب البشري المتمدن ، لتبدو الخطورة في هذا التصنيف قياسا الى هذا الثابت الهيولي ، أنه هناك أناس ماتوا وهم لا يستحقون الموت ، وهناك أناس يستحقون الموت ولكن لم يموتوا حتى الآن ،في محاولة لاستصدار مرسوم أخلاقي يعفي قاتلهم حتى من عقدة ذنب كالتي عانى منها الألمان أبان الحرب العالمية الثانية ،فالعالم بالنسبة له هو أبطال وانذال ويحق لكل متعيش على سيرة المحرقة أن يصنف وعلى مزاجه لأن المسألة لا تستحق حتى استخدام العقل .

بالنسبة لنا كشعوب عربية ، وبالعقل لم تكن المحرقة موجودة بالنسبة لنا وقتذاك على الأقل اعلاميا ، ولم نسمع بها ولم نساهم بها وعلى الأقل أيضا كنا تحت الاحتلا ل ، ولم تكن لنا مصلحة من ورائها فلم نكن لا نازيون ولا ديغوليون ولا تشرشليون على الأقل ايضا وأيضا ، ومن ذاك الزمان وقبله وبعده لم نصنف الناس أخلاقيا تحضيرا لقتلهم ولن نرضى لنفسنا مستقبلا هذه المكان ةالمنحطة عقليا وحضاريا ، فيا مستر ساتلوف خفف من فرحك بالمحرقة لأنها وعلى الرغم من كونها وسيلة للرزق والاسترزاق وهو شأن مفرح بالنسبة لك ، ولكنها بالنسبة لنا حادثة وحشية ندينا ولكن ضميرنا لا يحمل اية عقدة ذنب فالمسألة برمتها في أحضانكم .