صالح النعامي

المهام التي حددت لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد الجنرال جابي إشكنازي، الذي تم تعيينه في أعقاب إستقالة الجنرال دان حالوتس، واضحة ومحددة. فإشكنازي اختير لكي يعالج مواطن الخلل الكبيرة جداً في عمل الجيش الإسرائيلي كما كشفت عن ذلك حرب لبنان الأخيرة، والتي لا خلاف في أوساط النخب السياسية والعسكرية والاعلامية الإسرائيلية أن بقاءها بدون حل جذري يعني أن قدرة الدولة العبرية على حسم الحروب والمواجهات العسكرية قبالة العرب ستكون موضع شك كبير. لكن على رأس المهام التي وعد القائد الجديد لجيش الاحتلال بتنفيذها، هي العمل على استعادة قوة الردع في مواجهة العرب. وقوة الردع تعني حسب النظرية الأمنية الإسرائيلية أنه يتوجب اقناع العرب بأنه ليس بإمكانهم اجبار إسرائيل على دفع أي ثمن سياسي عن طريق استخدام القوة العسكرية، وأنه ليس بإمكانهم إلا التوافق مع ما تطرحه الدولة العبرية من صيغ وحلول سياسية، محكومة بمتطلبات المصلحة الإستراتيجية لهذه الدولة. ولا خلاف بين المراقبين في الدولة العبرية على أنه من أجل استعادة قوة الردع، فأنه يتوجب على جيش الاحتلال القيام بعمليات عربدة واستعراض للقوة واستغلال أي مناسبة من أجل القيام بعمليات عسكرية يستطيع هذا الجيش من خلالها تذكير العرب أنه لازال الجيش الأقوى في المنطقة. ومن الواضح أن اشكنازي سيرى في الساحة الفلسطينية الساحة الأولى التي يمكن له تنفيذ مبتغاه فيها، على إعتبار أن موازين القوى في هذه الساحة تميل لصالح جيش الاحتلال بشكل كبير. من هنا فأنه من المؤكد أن القيام بحملة عسكرية واسعة على قطاع غزة، ستكون على رأس أولويات اشكنازي. فإشكنازي وماكنة الدعاية الإسرائيلية سيزعم أن الحملة العسكرية على قطاع غزة غدت أمراً محتماً بسبب تواصل إطلاق الصواريخ على المستوطنات اليهودية المحيطة بقطاع غزة. والذي يعزز من حدوث هذا السيناريو هو حقيقة أنه يحظى بدعم كبير من قبل معظم الوزراء في حكومة ايهود اولمرت. شخصية اشكنازي وماضيه الاجرامي وطبعية المناصب التي تبوأها في الماضي تدلل على أن التصعيد ضد الشعب الفلسطيني سيكون على رأس أولوياته. فإشكنازي عندما كان نائباً لرئيس هيئة الأركان كان المس ؤول المباشر عن تنسيق عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة وعناصر حركات المقاومة والتي أسفرت عن مقتل العشرات من النساء والأطفال. وكما اوضحت وسائل الاعلام الإسرائيلية فقد كان إشكنازي من المتحمسين لقصف التجمعات السكانية الفلسطينية بقنابل ضخمة من أجل التأكد من المس بقادة وعناصر حركات المقاومة. لكن حملة واسعة في قطاع غزة لا تهدف فقط الى استعادة عملية الردع، بل تهدف أيضاً إلى اسقاط حكومة حركة حماس، على اعتبار أن اسقاط حركة حماس هو من مظاهر قدرة اسرائيل على استعادة قوة الردع. إذ أن أن المنطق الإسرائيلي يقول أن اقدام الفلسطينيين على انتخاب حركة حماس يعني أنهم يثقون بخيار المقاومة، وهذا بحد ذاته مساً بقوة الردع الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين. الذي يؤكد أن هذا ما ستهدف اليه الحملة العسكرية على قطاع غزة التي سيشرف عليها اشكنازي، هو ما جاء في محضر اللقاء الذي جمع وزيرة الخارجية كوندليزا رايس بنائب رئيس الوزراء الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، إذ أن الأخير أبلغ رايس أن حملة عسكرية واسعة على قطاع غزة ستكون مسألة وقت، وأن قوات جيش الاحتلال ستواصل المكوث في قطاع غزة حتى تفد للمنطقة قوات من حلف الناتو، وبكلمات أخرى فأن هدف الحملة القادمة كما يوضح ذك ليبرمان هو العمل على اختفاء الحكومة الفلسطينية الحالية.

في نفس الوقت، فأن اشكنازي يضع في حساباته ايضاً استعادة قوة الردع الإسرائيلية في الجبهة الشمالية. لكن بخلاف ما كانت عليه الأمور اثناء الحرب الأخيرة على لبنان، فأن المنطق العسكري الإسرائيلي الجديد يقول أنه يتوجب عدم استبعاد أن تقوم اسرائيل بضرب سوريا عند الرد على أي عمل عسكري يخرج ضدها من الحدود اللبنانية، على اعتبار أن الذين يضربون اسرائيل من لبنان هم حلفاء سوريا تحديداً، وبالتالي يتوجب ايذاء الحليف من أجل ضبط حلفائه. من ناحية ثانية، فأن من المهام التي قال وزير الحرب الإسرائيلي عمير بيريتس أنه يتوجب على اشكنازي معالجتها المشروع النووي الإيراني. صحيح أن الدولة العبرية تفضل أن يتم معالجة ذلك بخطوات سياسية واقتصادية، أو عبر عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، لكن نقطة الافتراض داخل الجيش الإسرائيلي تقول أنه يتوجب عدم استبعاد أن تقوم اسرائيل بعمل عسكري لاحباط هذا المشروع. الى جانب ذلك، فأنه لا خلاف على أن اشكنازي سيجمد كل الاصلاحات في نظام التجنيد للجيش، والتي اعتمدها رئيسا الأركان السابقين له، موشيه يعلون وشاؤول موفاز، والتي كانت تنص على تخفيض عدد أيام الخدمة العسكرية سواء لجنود الخدمة الإلزامية أو الاحتياط، بل أن اشكنازي يدرس زيادة عبء الاحتياط على جنود الجيش. الى جانب ذلك، فأن إشكنازي يعد بزيادة اعتماد الجيش الإسرائيلي على التقنيات المتقدمة، ومحاولة توفير ردود على التهديدات التي برزت في الحرب الأخيرة، سيما الصواريخ التي اطلقت على العمق الإسرائيلي.