يحاول البعض تلخيص المشروع الأمريكي في العراق بموضوع النفط فقط، فيقولون إن الولايات المتحدة تسعى للاستيلاء على النفط العراقي للحصول على الأرباح المتأتية من بيعه لصالحها، ويقيسون نجاح أو فشل المشروع الأمريكي من هذه الزاوية فقط. هذه النظرة الاقتصادوية ليست صحيحة وتتجاهل جوهر الموضوع فهي تنظر إلى التاريخ والجغرافيا نظرة قاصرة. فالنفط العراقي على أهميته بالنسبة للاقتصاد العالمي لا يشغل إلا حيزاً من أهداف الغزو والاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي.

إن أهمية الوطن العربي لا تختزل بالنفط بل إن الوطن العربي كان له أهميته الإستراتيجية قبل عصر النفط، وسيبقى مهماً بعد انتهاء عصر النفط كل ما في الأمر أن ظهور النفط قد ضاعف أهمية الوطن العربي أضعافاً مضاعفة.

بالعودة إلى التاريخ نجد أن أولى محاولات السيطرة الغربية على الوطن العربي بدأت في القرن السادس عشر وذلك بالهجوم على سواحل المغرب والجزائر، ولا يزال الاستعمار الإسباني لسبتة ومليلة شاهداً على ذلك، كما حاول البرتغاليون أثناء التفافهم حول رأس الرجاء الصالح الاستيلاء على ميناء جدة. لكن ظهور العثمانيين كقوة برية وبحرية في الوطن العربي دفع الغربيين عن سواحل المغرب العربي وحصن مضيق باب المندب في وجه محاولات التدخل الغربية فبقي الوطن العربي مع الدولة العثمانية كالقلعة المحاصرة. وعندما بدأت بوادر نهوض داخل الدولة العثمانية المريضة تجلت في المحاولة الوحدوية التي قامت في مصر على يد محمد علي باشا، حيث أرسل ابنه إبراهيم باشا إلى سوريا ليوحدها مع مصر، عند ذلك تناست الدول الغربية كل خلافاتها وحروبها الدموية وتوحدت لمهمة وحيدة هي ضرب هذه المحاولة الوحدوية وكان لها ذلك، في ذلك الوقت لم يكن هناك نفط. وعندما جاء نابليون بحملته الاستعمارية للاستيلاء على مصر لم يكن هناك نفط أيضاً. إن جوهر الأمر هو الموقع الإستراتيجي فالوطن العربي هو قلب العالم وهناك من يشبه بغداد بسرة الكون، فاستعماره هو حجر الزاوية في عملية استعمار العالم وبالعكس فإن تحرره هو حجر الزاوية في تحرر العالم.

وعندما انعقد المؤتمر الصهيوني في بازل في نهاية القرن التاسع عشر وقرر استعمار فلسطين كمشروع غربي لإقامة حاجز استيطاني غريب يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه لم يكن هناك نفط، وعندما أطلق بلفور وعده عام 1917 لم يكن هناك نفط. وعندما أعد الغربيون تقرير كامبل بنرمان الذي يحدد مصدر الخطر على الحضارة الغربية بوجود أمة متماسكة تمتلك أسباب النهوض ولها حضارة واحدة على شواطيء المتوسط لم يكن هناك نفط أيضاً.

أهمية الوطن العربي لا تختزل بالنفط فقط. لقد رفع النفط أهمية الوطن العربي إلى أس عشرة،عشرين، ثلاثين، ربما ألف.لكن ذلك لا يلخص المسألة. كما أن أهمية النفط لا تختزل بكونه سلعة للبيع والشراء فقط كما يصوره هواة اختزال المسائل وتشويهها، بل هو سلعة استراتيجية و أداة ضغط سياسي بمعنى أن من يملك قرار النفط يملك إمكانية الضغط السياسي على شرق آسيا وأوربا.

من هنا يجب رؤية المشروع الامبرطوري الأمريكي الذي يريد وضع أساسه العميق انطلاقاً من العراق الذي يعتبر قلب أوراسيا جغرافياً و طاقياً. فالغزو الأمريكي للعراق هو مشروع هيمنة عسكرية على الوطن العربي أولاً لضرب محاولات نهوضه التي تشكل الخطر الأكبر على النظام العالمي القائم، ومن ثم تحويله إلى قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة والانطلاق منه نحو تأبيد الهيمنة على بقية العالم. ومن ينظر إلى الخريطة يجد أن العراق هو الجسر الضروري لإتصال شبكة القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في آسيا الوسطى مع تلك الموجودة في الخليج العربي. وإذا ما أتيح للأمريكان الإمساك بالعراق فهذا يعني أنهم أمسكوا بالوطن العربي و منعوا نهوضه أولاً، ثم سيطروا بالعالم أجمع، وهنا يدخل النفط كتفصيل مهم من تفاصيل الموضوع لكنه لا يختزل الموضوع بتاتاً. لذلك يجب النظر إلى إنجازات المقاومة العراقية الهائلة من هذه الزاوية لا من زاوية تعداد براميل النفط التي استطاعت الولايات المتحدة تصديرها من العراق. لقد منعت المقاومة العراقية الولايات المتحدة من الإمساك بالعراق وعطلت مشروعها الإمبرطوري وخفضت مكانتها العالمية وحتى النفط منعتها من السيطرة على قراره.