لم تصل الاتصالات الإقليمية، وخاصة بين الجانبين السعودي والإيراني، الى حدود تحقيق خرق سياسي جدي في جدار الأزمة السياسية المفتوحة في لبنان منذ حوالى الشهرين، إلا أن الكلام الذي أطلقه السفير السعودي في بيروت د. عبد العزيز خوجة بعد لقائه الرئيس نبيه بري، امس الأول، بدا نوعاً من المحاولة العربية لترطيب الأجواء الداخلية ومحاولة سحب أجواء التشنج، خاصة بعد أحداث الأسبوع الماضي وما تركته من مخاوف على الصعيد الداخلي.
وفي هذا الإطار، علمت «السفير»، استناداً الى مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة الإيرانية، أن الاتصالات بين طهران والرياض باتت تتخذ شكلاً مكوكياً وأن مسؤول الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان اوفد مسؤولاً سعودياً يواصل حالياً مهمته في طهران مع المسؤولين الإيرانيين عن الملف اللبناني، وفي طليعتهم مسؤول الأمن القومي د. علي لاريجاني.

وأضافت المصادر أن التشاور الإيراني السعودي ينطلق من المبادئ التي تضمنتها مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وتتعلق بإيجاد آلية توفيقية بين حكومة الوحدة الوطنية والمحكمة الدولية، وأشارت الى حصول تقدم معين لكن هناك أجوبة ينتظر الحصول عليها من الأطراف المعنية في لبنان.

وأوضحت المصادر الدبلوماسية نفسها أن الجانبين السعودي والإيراني حاولا تحصين مساعيهما اللبنانية عبر مروحة اتصالات إقليمية ودولية شملت عدداً من العواصم العربية والدولية المعنية ايضاً بالملف اللبناني.

وكان لافتاً للانتباه ما أكدته المصادر نفسها من أن محاولات تحقيق انفراج بين دمشق والرياض لم تتقدم حتى الآن، إلا أن القيادتين السعودية والإيرانية تحاولان إيجاد ارضية مشتركة لبنانياً لا تتناقض مع المطالب السورية «وهو امر يبدو شديد التعقيد».

السفير السعودي يتمنى عدم تكرار حوادث الأسبوع الفائت

ونقل زوار السفير السعودي عنه انتقاده لإضراب الثلاثاء وما جرى الخميس، وقال «لعل أحداث الثلاثاء والخميس، تشكل دافعاً لجميع الأطراف لتسهيل الحلول والتوافقات واعتماد لغة العقل». وأشار الى «الاستمرار في السعي لبلوغ حل، ولكن أي مسعى وأي حل يجب ان تكون له ارضية داخلية، فمن دون ذلك لا يمكن الوصول الى شيء». وأكد انه يعول على حكمة المسؤولين اللبنانيين وعلى إرادة الشعب اللبناني بالحفاظ على وحدة لبنان واستقراره.
وفيما رفض السفير السعودي في بيروت تأكيد او نفي المعلومات التي تحدثت عن محاولات يبذلها لعقد لقاء بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، مجدداً دعوته الى اللبنانيين للتوافق والجلوس معاً على طاولة الحوار وعدم تكرار المشهد غير الحضاري الذي عاشه بلدهم في الأيام الأخيرة، قالت مصادر سياسية لبنانية متابعة للاتصالات إن الأجواء مفتوحة بحذر على احتمالات إيجابية لكن الأمور لم تتطور حتى الآن ليكون هناك اية مبادرة او اية صيغة مشابهة.

وحول احتمال اللقاء بين بري والسنيورة، قالت مصادر مقربة من رئيس المجلس النيابي لـ«السفير» «إن المسألة الجوهرية ليس في مجرد اللقاء بينهما او بين اي زعيمين آخرين، اذ أن أي لقاء يجب أن تكون له غاية سياسية، وإذا حصل وجاءت نتائجه سلبية فإن الضرر سيكون أكبر من الفائدة. ثم وكما سبق وقال الرئيس بري: ليس المهم عقد الاجتماع ـ أي اجتماع ـ لأن اسوأ من عدم الاجتماع هو الاجتماع وعدم الوصول الى نتائج إيجابية، وهذا ما يزيد المشكلة ولا يخففها».

وقالت أوساط رئيس الحكومة لـ«السفير» إنه لا بديل امام اللبنانيين عن الحوار، ويجب أن نجلس جميعاً معاً من اجل مناقشة سبل التوصل الى تسوية لمصلحة لبنان واللبنانيين، وأشارت الى ان لا مبادرة جدية حتى الآن سوى مبادرة عمرو موسى وأن الأخير على تواصل دائم مع رئيس الحكومة وهو أبلغه أن مبادرته ما زالت قائمة وأنه ينوي العودة الى بيروت في نهاية الاسبوع الحالي على الأرجح، وشددت الأوساط نفسها على أنه من دون جلوس اللبنانيين على طاولة واحدة سيكون من الصعب ترجمة نتائج مؤتمر «باريس 3».
وقالت الأوساط إن رئيس الحكومة باشر اتصالاته مع الصناديق العربية والدولية لبرمجة المشاريع والهبات والقروض وهو سيوجه اعتباراً من اليوم سلسلة رسائل الى الدول والصناديق المانحة للاتفاق على آليات البرمجة حسب تعهدات كل جهة في مؤتمر باريس.

نصر الله يدعو لإعدام المسؤولين عن أحداث الخميس

من جهته، اتهم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في خطاب لمناسبة عاشوراء، «أقطاباً في الفريق الحاكم»، بأنهم «يعملون لإثارة الفتنة بين الشيعة والسنة خدمة لإسرائيل». وأضاف إن ما حصل يوم الخميس من مواجهات قرب جامعة بيروت العربية «هو كمين مدبر نُصب في مكان فيه طلاب سُنة وشيعة بهدف جرنا الى الاقتتال».

ودعا نصر الله القضاء الى تحمل مسؤولياته، كما دعا الى تشكيل لجنة من العلماء السُنة والشيعة وأن تضع يدها على احداث الخميس، وتابع «يجب إعدام كل المسؤولين عن حادثة يوم الخميس لأنها كان يمكن أن تفجر فتنة مذهبية»، وأشاد بدور الجيش اللبناني «الذي كان كبيراً جداً»، وقال إن قيادتي «حزب الله» و«أمل» كانتا معنيتين بوأد الفتنة واضطررنا الى استخدام لغة الواجب الديني (الفتوى) لحض الناس على الانسحاب من الشوارع وترك الأمور للجيش.
واعتبر نصر الله أن «بعض قادة الفريق الحاكم باتوا مكشوفين ومعروفين لأنهم يريدون ان تقع الفتنة المذهبية ويعملون لها ليل نهار ولذلك تم اختيار الخميس للرد على الثلاثاء»، متهماً هؤلاء بـ«تضليل الرأي العام العربي والعالمي عبر التنكر للمسيحيين والسُنة والدروز في المعارضة والتركيز على حسن نصر الله لإعطاء بُعد شيعي للمعارضة بوجه الحكومة السنية وهذا غير صحيح»، منبهاً الى أن ذلك يحصل عن سابق تصور وتصميم لأن مشروعهم هو الفتنة ونحن لم ولن نذهب الى قتال وسنبقى على أعلى درجة من الانضباط والالتزام ولن نثأر ممن يريدون منا الاستسلام أمام الفتنة المذهبية، بل من أسيادهم لأنهم مجرد أدوات وعبيد».

وأكد نصرالله ان المعارضة لن تسمح للفريق الحاكم بتضييع هوية البلد الوطنية ولكنها في الوقت نفسه لن تذهب الى فتنة مذهبية ولا الى حرب أهلية، ولن تشهر سلاحها في وجه اللبنانيين، وواجبنا في المقاومة بأن نبقى جاهزين، اما في الداخل فعلينا ان نواصل عملية الإصلاح ونمارس اعلى درجة من الالتزام حتى لا نعلق في الخطة الإسرائيلية المكملة لحرب تموز، وقال «هناك انتصرنا بالصبر والسلاح وهنا يجب ان ننتصر بالصبر وأن لا نستخدم السلاح».
وخاطب نصر الله اكثر من مرة ذوي ضحايا يوم الخميس وكذلك الجرحى، محرماً الانجرار الى أية ردود فعل ثأرية، معتبراً أن الوفاء لهؤلاء الشهداء ولكل شهداء حرب تموز يقضي بحفظ المقاومة وسلاحها وعدم السماح لهؤلاء الشياطين بجرنا الى القتال الداخلي خدمة لإسرائيل.

وانتقد نصر الله سكوت الفريق الحاكم على ما نشر مؤخراً من ان الرئيس الاميركي جورج بوش اعطى تعليماته باستهداف «حزب الله» بالعمليات الامنية، وقال إن الحزب لا يطلب نجدة احد لأنه إذا قرر الأميركيون الاعتداء علينا، فإن واجبنا الديني أن ندافع عن أنفسنا وعن كرامتنا. وردد الجمهور بعد ذلك اكثر من مرة «الموت لأميركا.. الموت لأميركا».

رعد يحذر الأكثرية من استهداف اعتصام الساحتين

بدوره، حذّر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، خلال احتفال تأبيني في بلدة عيتا الجبل فريق الأكثرية من التظاهر بالقرب من تجمع المعارضة في وسط بيروت. وقال، «تريدون أن تتظاهروا يوجد شوارع كثيرة في البلد، لكن التجمع او التظاهر في أمكنة قريبة من الاعتصام القائم في وسط بيروت هو إشعال للفتنة وللتقاتل الداخلي»، محذراً من «أن يفكر احد في مثل هذه الخيارات»، مشيراً الى «أن قوى المعارضة مصرة على استمرار الاعتصام وهي ستواصل تحركها التصعيدي السلمي من اجل ان تتحقق حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها شراكة حقيقية».

مصادر
السفير (لبنان)