المشهد السياسي السوري يقدم مؤشرا واحدا على نقطة التلاقي في مفهوم "السياسة" ما بين الحدث والموقف السياسي، فالحدث السياسي عمليا لا يمكن ملاحظته دون النظر إلى "موقف" جديد، بينما تشهد "الحياة السياسية" فراغا ينتظر المواسم الانتخابية، ليظهر مرشحو مجلس الشعب في أوج التفاعل بين "الكتل" أو "المجموعات، بينما تختلط البيانات مع "المظاهر" المعبرة على قدرة التعبئة فقط. فالحياة السياسية التي ننتظرها العام القادم تعيدنا سريعا لمجموعات الصور التي جمعت المرشحين سابقا، ثم غابت وسط "الهدوء" السياسي، دون ان يعني هذا الصمت غياب "الموقف السياسي".

وربما تكون صورة "مجلس الشعب" الحد الأعلى الذي يقدم حركة غير مسبوقة، لكن صور الحياة السياسية تحمل بذاتها "حيوية" قادرة على التعامل مع الحدث، وذلك بغض النظر عن "الموقف السياسي" الموجود عمليا في المشهد السوري، سواء عبر بيانات الإنترنيت، أو من خلال التحرك الرسمي في مختلف المجالات، فما يمكن أن نراه من حياة سياسية لا يرتبط عمليا بالمطلبية السياسية، لأنه يمثل حركة السياسيين في معالجة الأمور الداخلية، أو حتى في المساعدة على بلورة المواقف السياسية، وهذا الأمر الذي يظهر في انتخابات مجلس الشعب عبر توليفات وعناوين، ليس حكرا على زمن واحد او اسير ظرف خاص او تيار محدد، لأنه في النهاية يعبر عن حيوية النخب، وقدرتها على فتح مساحات لها ضمن الحياة العامة.

ومن داخل الحياة السياسية السورية تظهر الصورة التي تحد عمليا من طاقة المؤسسات في رسم تصوراتها المستقبلية، مكتفية بما يمكن أن تقدمه السلطة التنفيذية من رؤية إجرائية فقط، حيث لا نجد صورة كاملة او دقيقة لتصورات حول طبيعة البرامج المقترحة أو التي يمكن اعتبارها ضمن محاولات البحث او الحوار من أجل توسيع آفاق التعامل مع المستقبل.

ورغم وجود مؤسسات سياسية عريقة شرعية في سورية، لكن الصورة داخل هذه المؤسسات ماتزال ضمن أبعاد "الموقف السياسي"، دون البحث عن "حركة" تظهر طبيعة آلياتها لهذا الموقف، فالكثير من الأحزاب والمنضوية داخل "الجبهة الوطنية التقدمية" تأسست قبل الاستقلال، ومن المفترض ان تعاملها لا يحمل خبرة فقط بل أيضا ديناميكية في إثارة القضايا العامة وجعلها مسالة مرتبطة بالمصالح الآنية للمجتمع.

ما حدث في الحياة السياسية السورية هي افتراق "النخب السياسية" عن مساحة "الحراك" التي يتيحها لها القانون، واحتجاب الرؤية التي يطالب بها مرشحو مجلس الشعب بعد أن يصبحوا داخل السلطة التشريعية. فالحياة السياسية ليست عنوانا لأنها مسألة مرتبطة بمستقبل سورية وليس مرحلة زمنية نشهدها في مواسم الانتخابات.

مصادر
سورية الغد (دمشق)