بعد ساعات فقط من وقوع حادثة اغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963 وجد المحققون على طاولته في البيت الأبيض مسودة مذكرة بخط يده تفيد باعتزامه اتخاذ قرار يقضي بسحب القوات الأميركية من فيتنام ووضع نهاية للحرب.

حتى يومنا هذا لا يعرف على وجه الدقة القانونية من هو القاتل ومن يقف وراءه، ولكن من بين النظريات الرائجة أن الجهة المدبرة هي مجموعة من كبار جنرالات البنتاغون آنذاك وذلك استناداً إلى القرينة المهمة التي تمثلت في مسودة مذكرة الرئيس. فالجنرالات كانوا يريدون إطالة أمد الحرب لسنين متصلة لصالح أباطرة صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة.

ولو صح هذا الافتراض فإن الجنرالات كان لهم على أية حال ما أرادوا. فالحرب الأميركية في فيتنام ظلت تستعر لمدى 12 عاماً بعد مقتل الرئيس كينيدي.وصفوة القول ان كينيدي كان سيقتل على كل حال. فقد كان أول رئيس أميركي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يعمد إلى إقصاء العسكريين عن شؤون السياسة الدولية الأميركية مستعيضاً عن الجنرالات بمجموعة من كبار الأكاديميين ذوي النزعة الاستقلالية.

شخصية الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش الابن هي نقيض شخصية جون كينيدي، ولكن مع ذلك يبقى بوش تجسيداً حياً لمبدأ عسكرة السياسة الخارجية الأميركية ـ النمط الذي ظل سائداً تماماً في البيت الأبيض على تعاقب الرؤساء.

عسكرة السياسة الخارجية هي منشأ مشكلة الولايات المتحدة مع العالم. من الوهلة الأولى لتسلمه السلطة وممارسة تعامله مع الساحة الدولية لا توجد على أجندة أي رئيس أميركي سوى شن حرب أو حروب عدوانية، ومنذ عهد دوايت أيزنهاور في خمسينات القرن الماضي وحتى عهد جورج بوش الراهن عبوراً بعهود ليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد ورونالد ريجان وبوش الأب وبيل كلينتون لم يكن لأي رئيس أميركي أجندة تتعلق بالإعمار الاقتصادي في العالم ومحاربة الفقر واستنهاض التنمية من أجل المساهمة في إحلال الرخاء في العالم الثالث.

أليس غريباً ومعيباً أن الدولة العظمى والوحيدة في هذا العصر ليس لديها وزارة أو مؤسسة للتعاون الاقتصادي الدولي وأن أهم مؤسساتها هي وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الحرب (التي يطلق عليها زوراً وبهتاناً وزارة الدفاع)؟

«وكالة العون الدولي» ليست سوى مؤسسة ضئيلة ينحصر نشاطها في أعمال «إنسانية» محدودة.

وبالتالي فإننا لا نسمع عن تمويل تنموي أميركي لمشروع سد في دولة إفريقية مثلاً أو مشروع لإقامة نظام تعليمي حديث أو شبكة مواصلات أو مصنع لإنتاج الأدوية. نسمع فقط عن اعتمادات بمئات المليارات من الدولارات يجيزها الكونغرس بمبادرة من الرئيس لتمويل حروب لا تنتهي من الحرب الكورية والحرب الفيتنامية إلى الحرب في العراق والحرب في أفغانستان، عدا ما نسمع عن الميزانيات المفتوحة للوكالات الاستخباراتية لمواصلة «الحرب على الإرهاب».

لقد قتل جون كينيدي لأنه رفض أن يقتصر منصب الرئيس الأميركي على دور «مندوب مبيعات» لملوك صناعة الأسلحة الأميركية، ويبدو أن أسلافه وخلفاءه من الرؤساء آثروا السلامة والعافية.