من المؤسف والمؤلم حقاً أن يتزامن مرور عام على العرس الديموقراطي الفلسطيني الذي أسفر عن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية؛ مع المواجهات المسلحة بين حركتي حماس وفتح؛ بشكل يشي بأن الفلسطينيين يقفون على اعتاب حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.
من المؤسف والمؤلم حقاً أن يتزامن مرور عام على العرس الديموقراطي الفلسطيني الذي أسفر عن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية؛ مع المواجهات المسلحة بين حركتي حماس وفتح؛ بشكل يشي بأن الفلسطينيين يقفون على اعتاب حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس. والذي يبعث المرارة في النفس أنه في كل لحظة على مدار هذا العام دفع ويدفع الفلسطينيون أثماناً باهظة لأنهم أصروا على اختيار من يرون أنه الأنسب لتولي أمرهم، فكان الحصار الإقتصادي والمقاطعة السياسية، والعقوبات الجماعية، وأخيراً بوادر الحرب الأهلية، التي لو انفجرت – لا قدر الله – فأنها ستدفع بالقضية الوطنية الفلسطينية الى عقود للخلف.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة وبصراحة: هل هذا ما طمح إليه الفلسطينيون عندما توجهوا الى صناديق الاقتراع، وهل هذا الواقع يكفل لحركة حماس الفائزة في الانتخابات والتي تشكل الحكومة الآن أن تقوم بدورها في تحقيق الأهداف الوطنية، وعلى رأسها تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، بشكل ينسجم مع حجمها وامتداداتها الجماهيرية ؟.
وللإجابة على هذا السؤال يتوجب علينا أن نشير الى أنه لا يكفي أن نرصد المعيقات التي تعترض سبيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، فقد كان متوقعاً أن يتشكل الحلف المناوئ لهذه الحكومة والذي يضم أطرافاً فلسطينية وقوى عربية إقليمية وإسرائيل والقوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. صحيح، أنه من المهم أن يتم لفت نظر الرأي العام الفلسطيني والعربي إلى أن هناك مؤامرة كبيرة تستهدف اسقاط الحكومة التي انتخبها الشعب الفلسطيني، لكن الحديث عن المؤامرة وتوصيفها وخلع الأوصاف على أطرافها، والتنديد بهم، لا يكفي مطلقاً، وهو لا يعفي حركة حماس من واجب القيام بالخطوات الكفيلة بضمان عدم حيادها عن أداء دورها الذي أنطلقت من أجله، وعدم استدراجها للمربع الذي يسهل على خصومها تسجيل نقاط عليها فيه. وحتى لا يكون هناك ثمة سوء فهم، فمن المهم التأكيد على أن فوز حركة حماس في الانتخابات مثل تحدياً كبيراً للمشورع الصهيوني الإحلالي، وضربة موجعة للسياسة الأمريكية في المنطقة التي تحاول ترتيب الأوراق بما يخدم ضمان هيمنة واشنطن على مجريات الأمور، وإلا لما كان كل هذا التصميم من قبل إسرائيل والإدارة الأمريكية تحديداً على محاولة اسقاط حكومة حماس.
لكن التحدي الذي يواجه حركة حماس هنا يكمن في حقيقة أن أطراف المؤامرة تحاول توظيف وجود حركة حماس الإسمي في الحكم في الدفع نحو تبديد رصيدها وتصفية مصادر قوتها، دون أن تحقق الحركة مكاسب تذكر. وحتى تتضح الصورة جيداً، دعونا أن نسأل السؤال البسيط: ماذا حققت حماس بعد عام على فوزها ؟. صحيح أن الحركة تشكل الحكومة، وجميع الوزارات تدار من قبل وزرائها، لكن هذا من ناحية نظرية فقط، فصلاحيات الوزراء مصادرة تقريباً، وجميع الوزارات فيها وكلاء ومدراء عامين يرفضون الانصياع لتعليمات الوزراء، لأن تعيينهم تم من قبل الرئيس ابو مازن الذي يرفض السماح بالمس بهم. والأجهزة الأمنية التي يبلغ تعداد أفرادها عشرات الآلاف لا ترفض فقط التقيد بتعليمات وزير الداخلية، بل أنها تعمل بشكل مباشر ضد الحكومة، كما تم تجريد الحكومة الحالية من كل الصلاحيات التي كانت تتمتع بها الحكومات السابقة، فوسائل الاعلام الرسمية، مثل الإذاعة والتلفزيون أصبحت تتبع الرئيس، والمعابر الحدودية كذلك. والى جانب ذلك تعاظمت مظاهر الفلتان الأمني وتلاشت هيبة القانون وأصبحت مظاهر العربدة وأخذ القانون باليد بادية للعيان، واستشرى الفساد الأخلاقي بشكل لا يليق بشعب يقاوم محتليه، دون أن يتحرك ثمة أحد لوقف هذه المظاهر.
وبعد كل ذلك تطالب الحكومة بتوفير الرواتب للموظفين والموازنات التشغيلية للوزارات المختلفة، وتحمل حركة حماس المسؤولية عما وصلت الأوضاع الإقتصادية من تدهور وتعقيد. فحركة حماس – كحكومة – مطالبة بتوفير الرواتب لجهات تعمل ضدها، و هذا طبيعي لأنها هي التي تتولى الحكم، وحتى إن كان ذلك بشكل إسمي وظاهري. وبعد كل ذلك تحرص أطراف المؤامرة على توظيف الحصار الإقتصادي في تهيئة الأجواء لإندلاع الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر. لن يكون من المفيد إضاعة الوقت في الإشارة الى الجهة المسؤولة عن الدفع نحو الحرب الأهلية، فالمؤكد أنه وبغض النظر عن هوية الجهة التي ستنتصر في هذه الحرب- في حال اندلعت، لا قدر الله – فأن القضية الوطنية ستكون الخاسر الأكبر، وسيتسنى لدولة الاحتلال تحقيق ما لم تحلم بتحقيقه على مدى عقود من الصراع بأيدي فلسطينية. واضح تماماً أن الذي ساعد على تجرؤ أطراف فلسطينية على العمل ضد حركة حماس وحكومتها على هذا النحو غير المسبوق، هو أن حركة حماس جمدت العمل المقاوم في محاولة لتوسيع هامش المناورة السياسية أمام حكومتها، لك نها هذا الهامش لم يتسع لأنه ببساطة لا يوجد ثمة أحد مستعد للسماح بنجاح تجربة الحركة في الحكم، حتى لو تخلت عن العمل المقاوم. وفي المقابل، فأن تجميد العمل المقاوم جعل خصوم حماس في الحلبة الفلسطينية يتجرأون عليها. مع العلم أن التجربة دلت بشكل مؤكد على أن انخراط حماس في العمل المقاوم يرفع اسهمها، ويدفع بخصومها للانزواء بعيداً، ويقلص هامش المناورة أمامهم بشكل كبير، ويكشف عوراتهم أمام الجمهور الفلسطيني، مع العلم أن حماس انطلقت كحركة مقاومة، وللأسف الشديد لازال الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال حتى بعد عام الى اجراء الانتخابات التشريعية.
من هنا على حركة حماس اعادة تقييم خطواتها بشكل جذري وترتيب أولياتها وأن تقوم بعملية جرد حساب لتجربتها بعد عام في الحكم، وأن توازن بين إيجابيات وسلبيات هذه التجربة، وعليها أن تبدي أقصى درجات المرونة الكفيلة بمرور العاصفة الحالية، ليس لأن لخصومها ثمة مبرر منطقي، ومسوغ وطني يسمح لهم بالإنخراط في المخطط الصهيوأمريكي ضد حماس وحكومتها، بل لأن اندلاع الحرب الأهلية وتوريط حماس فيها هو ما يهدف إليه هذا المخطط، وهو ما يدفع الحركة نحو الخسارة. وعلى قيادة حماس بعد ذلك أن تعيد التفكير في مستقبل توليها الحكم، وعليها الا تستبعد أن تبادر الى حل السلطة الفلسطينية التي يسمح وجودها للاحتلال وحلفائه بفرض إملاءاته على الشعب الفلسطيني، ويتم مساومة الحكومة الممثلة له على ثوابتها ومواقفها الوطنية.