قبل أن نحاسب الآخرين على ما فعلوه بنا ، يجب أن ننظر إلى ما فعلناه بأنفسنا، الإحباط يتأتى من الطموح المسلوب، السنون الهاربة تتعاون مع الذاكرة للحد من الشهية للحياة نفسها كما نراها ونريدها ، وخفض مستويات الطموح الفردي تساعد في إيجاد المبرر الذي نعلق عليه مسؤولية الإخفاق، لكن هل كان بلوغ الأهداف ممكناً دائماً؟ إذا كان الإخفاق أمراً طبيعياً لدى طرف ، فيجب أن يقابله نجاح للآخر، أما أن يكون فشلاً جمعياً ، فهذا ما لا يفهم، إلا في إطار نجاح الضرورة، الآمر الذي يؤكد تجرد المعاني من إطلاقها، ويكون تسبيباً طبيعياً وتاريخياً للأشياء، ما أسهل أن يتكلم الشخص عما يقرأ ، أما ما يجب أن يفعل ، فذلك أمر آخر ، يتعلق بالآخرين ، هل يحدث الموت للآخرين فقط؟ الحقائق لا تستثني أحداً من منطقها، الموت يفتح العين على نسبية الحقائق والتاريخ والحياة، وتصبح مساءلة الحياة عن موت الأمل فقط هي الممكنة، وقد تكون هذه هي الضرورة، بائسة أم جميلة، إنما هل لدينا خيار في أن نعيش غير حقيقتنا؟

هل نعيش حقائق الآخرين ؟

هل نفنى في ضرورات الآخر طالما لا يوجد هناك حقيقة واحدة تحتوي وتجمع الضرورات ؟

إنه لمنطق معكوس ألا يكون لكل من حقيقته المحايثة لظرفه...ولحياته، المعنى محايث للمحسوس ولهذا لا يقرأ بواسطة الإحساس فقط، أو ينجلي بالتفكير، وإلا استحال إلى تعامل روحي وصار ضرباً من التهويم والانفعال الداخلي، أتكون المعاينة رؤيا حلمية ؟

لا لأن الماضي يكون ملتبساً بالحاضر ، ويصبح الامر كما لو كان نصاً سير ذاتياً ...بين قارئ وأثر، ، مستحضر الماضي لا يستطيع التخلص من الحاضر مهما فعل، لأنه يفكر فيه كزمن حاضر، فكيف يلتحق بالماضي وهو يروي الحاضر؟ صحيح أن الانزياح عن الواقع ليس تنصلاً منه ، لكنه بشكل أو بآخر إعادة تشكيل له على نحو يحقق التوازن مع العناصر الأخرى، هل كل ما نستعيده حدث فعلاً ؟ ثم ماذا يمكن أن يكون حدث؟ السؤال والنفي في هذا المقام أكثر فاعلية من اليقين بصفته عملاً تداولياً كما يقول فرويد، الحلم ليس له زمن ، وإذا كان حلماً فليس هناك من زمن ، مدار الحلم هو الانصراف من موقف اليقين المعاين إلى عوالم الوجود المستحدث عديم الأبعاد، خارج الأمكنة والحياة نفسها، أليس الزمن هو البعد الرابع للمكان .

أقول كل هذا بعد قراءتي لمقال الرائعة نضال الخضري، التي عودتنا على تماهي الكل في الجزئي، وهي التي سحبت أنوثتها الأصيلة على تفاصيل الجمعي الغائم والمضطرب والقلق، فأصلتها، وربما أصلته، ويكون حديثها عن الخلاص الفردي استثناء من النسق الذي أقامته فيما يتعلق بتأصيل الجزئي المحايث للكلي، ويكون الحديث عن الخلاص الفردي غير ذي معنى ، أو عديم الجدوى...أو تحصيل حاصل، إذا افترضنا أن الجزء يؤصل الكل الذي يعيد إنتاج الأجزاء بالماهية الجمعية، وهو ما تريده نضال فيما أزعم وتسعى إليه.

تحية لنضال الخضراء ، ولخضرتها الأصيلة ...ولأصالتها التي اخضوضرت بها عوالم الذكور قبل الاناث.