الحياة / عادل مالك

تواجه الاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس جورج دبليو بوش في العراق والمنطقة معارضة شديدة ليس فقط من قبل الحزب الديموقراطي بل من الحزب الجمهوري نفسه بالاضافة إلى الشكوك الجدية التي عبّر عنها كبار العسكريين الأميركيين حول جدوى هذه الاستراتيجية في تخفيف العنف المتأجج في العراق أو في مناطق الجوار.

وبالاضافة إلى ذلك فمنذ أن اختار الرئيس الأميركي إرسال ما يزيد على 21 ألف جندي إلى العراق لـ «تعزيز الخطة الأمنية» والخلاف الدستوري على أشده بين الرئيس والكونغرس حول الصلاحيات بين السلطة التنفيذية الممثلة بالبيت الأبيض والسلطة التشريعية الممثلة بالكونغرس.

وفي هذا المجال حذر السناتور الجمهوري البارز ارلن اسبكتر الرئيس بوش من «التفرد» في صنع القرار بشأن العراق، وسط احتدام الجدال القانوني القائل إن لدى الكونغرس السلطة لإنهاء حرب العراق فيما وصف الرئيس بوش إصرار الكونغرس على إصدار قرار يدين سياسته في العراق بأنه من نوع «التطرف الشديد».

ووسط البلبلة التي أثارتها القرارات الأخيرة المتصلة بالعراق هدد العديد من الديموقراطيين بعدم موافقة الكونغرس على الاعتمادات المالية الخاصة بهذه القرارات في محاولة لعرقلة قرارات الرئيس، كذلك يعمل عدد من أعضاء الحزب الديموقراطي المعارض على التصويت على مشروع قرار يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق خلال 14 شهراً على أن ينتهي سحب جميع القوات الأميركية المقاتلة بين أيار (مايو) وآذار (مارس) من العام 2008. وورد في نص مشروع القرار «لقد حقق عسكريونا نجاحاً باهراً في العراق لكن ليس بزيادة عدد الجنود الأميركيين يمكننا حل الخلافات السياسية التي هي في صلب حرب أهلية ليست حربنا».

والحملة على مواقف وسياسات الرئيس بوش لم تقتصر فقط على السياسيين والمشرعين بل تعدتها إلى كبار العسكريين. فهذا هو الأميرال فالون القائد الجديد المعيّن في العراق وقد بدا شديد الحذر عندما سئل عن إمكان بزوغ عراق ديموقراطي من وسط العنف الراهن، فاختار إجابة شديدة التحفظ عندما قال: «من الحكمة أن نقلص توقعاتنا في هذا المجال»، وأضاف بعد تردد «ربما كان بالإمكان أن يتحول العراق فجأة إلى شيء قريب مما نتمتع به في هذه البلاد... لكن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً».

وعندما جوبه من قبل أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بحرج أكبر اضطر إلى القول بلهجة العسكري المحترف: «إن الاستراتيجية الأميركية السابقة في العراق لم تنجح... وإن الوقت قصير لتطبيق استراتيجيتنا الجديدة... ومع ذلك فإنني سأبذل جهدي».

هذه بعض النماذج من الداخل الأميركي التي تعكس حالة القلق السائدة من الشكوك في احتمال تحقيق أي نجاح على الصعيد العسكري مع قرار إرسال العشرين ألف جندي إلى العراق طالما أن الرئيس بوش اختار السير في الاتجاه المعاكس الذي حملته اقتراحات لجنة بيكر - هاملتون. وبالاضافة إلى ذلك أقدم الرئيس الأميركي على اتخاذ قرار آخر بتعقب العناصر الإيرانية الموجودة في العراق وأجاز لقواته قتل هذه العناصر. وهذا تطور جديد يدخل في سياق النزاع الأميركي - الإيراني سواءً حول الصراع على النفوذ والهيمنة في العراق وعليه، أو لجهة ممارسة الضغوط على طهران في سياق الخلاف الناشئ حول الملف النووي. وبذلك يكون الرئيس بوش اختار حلاً وسطاً ما بين المواجهة الشاملة مع إيران التي تحمل الكثير من المحاذير، والمواجهة المحدودة والتي تنطوي على نوع آخر من المحاذير لكنه يبقى - حتى الآن على الأقل - ضمن حدود معينة. ومن المهم في هذا السياق متابعة تعليقات المعلقين الأميركيين على سياسات واشنطن لتكوين فكرة عن الانطباع والشعور السائدين في واشنطن.

فمثلاً يقول الصحافي توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز»: «يبدو وكأن الشعب الأميركي طرد جورج بوش في الانتخابات الأخيرة (فوز الديموقراطيين) وما نشاهده الآن هو أنه ينظف مكتبه... لكن المشكلة تكمن في أنه سيستمر في تنظيف مكتبه لمدة عامين آخرين في حين أن الشعب الأميركي يستحق أفضل من ذلك».

ويضيف فريدمان «أما عن العراق فقد فوجئت خلال الحديث مع عدد من كبار المسؤولين العسكريين في الآونة الأخيرة بمدى قلقهم بخصوص الحشد ضد إيران، حتى وقبل أن نكسب حرباً في العراق. ويبدو أن فريق بوش يحضر لحرب أخرى مع إيران. أنا أؤيد التلويح بالعصا لإيران لكن بهدف التوصل إلى حوار ديبلوماسي مع إيران وسورية حول العراق».

ويمضي توماس فريدمان في عرض الاقتراح التالي: «... لنجعل زيادة القوات في العراق مصحوبة باقتراح بيكر - هاملتون عقد مؤتمر اقليمي يضع سورية وإيران والأردن والمملكة العربية السعودية حول مائدة واحدة مع العراقيين في محاولة لنشر الاستقرار في المنطقة، وبذلك سيصبح للديموقراطيين الذين يريدون تحديد موعد للانسحاب وجهة نظر أقوى لأننا حاولنا كل شيء، ولكن لنحاول كل شيء: زيادة في الديبلوماسية وليس في القوات فقط».

وتتجمع كل هذه المخاوف من ترددات الديبلوماسية الأميركية الجديدة في المنطقة لتلتقي مع السعي الدؤوب من جانب المملكة العربية السعودية لتجنيب المنطقة المزيد من الويلات والحروب والصراعات، ويتجلى ذلك في العديد من التحركات التي يقوم بها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ورئيس مجلس الأمن القومي الأمير بندر بن سلطان في زيارته الأخيرة لطهران ولموسكو حيث تعمل الرياض على احتواء التوتر الظاهر حتى لا يفلت التطرف من عقاله وتخرج الأوضاع عن السيطرة. وسبق لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن حذّر إيران من مغبة الاستمرار في السياسات المتطرفة لأنه لا طائل منها. ويبدو أن الحوار السعودي الإيراني يصب في غير اتجاه على صعيد المنطقة ككل، ومن ذلك العمل على تخفيف حدة التوتر العالي في لبنان، رغم أن الرياض تحرص على القول بأن المساعي الخاصة بخفض التوتر في لبنان لا ترقى إلى مبادرة محددة، مع أنها أكثر من المسعى العادي.

وتتخذ المسألة أبعاداً أكثر خطورة عندما يطرح الحديث من جديد حول فصول الحروب بالوكالة أم بالأصالة.

وهذا يعني بوضوح أشد أن الصراع الدائر حول المسألة النووية الإيرانية يدخل تدريجاً المرحلة الساخنة ويوجزه التساؤل التالي: هل تبادر الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى إيران، رغم كل المخاطر التي تنطوي عليها هذه الخطوة؟ أم أن إسرائيل بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن أميركا تقدم على «حرب استباقية» وفق منهج الرئيس بوش رغم تأكيد فشله؟

في البحث في مندرجات هذا التطور يبرز تركيز ايهود اولمرت وحكومته الإسرائيلية على مخاطر إيران على «الأمن القومي الإسرائيلي»! يضاف إلى ذلك أن إسرائيل تعتبر أن حرب تموز (يوليو) على لبنان لم تنته بعد خاصة وأنها توقفت بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من حربها ضد لبنان و «حزب الله» عند الفشل وعدم تحقيق الأهداف التي اعلنت عنها.

ثم أن إسرائيل وفق منظورها تعتبر أن إيران قد شاركت فعلياً في حرب تموز بالأسلحة التي زودت بها «حزب الله» ولذلك فهي تعتبر أي تصرف ضد إيران هو من «النوع المبرر». فضلاً عن أن الوضع الداخلي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت هو في الحضيض خاصة بعد الاستجواب الذي خضع له يوم الخميس (لمدة عشر ساعات متواصلة) حول اخفاقه في الحرب على لبنان، بالاضافة إلى الفضائح التي تلاحق عدداً من أعضاء حكومته وآخرهم وزير العدل السابق حاييم رامون (بتهمة التحرش بمجندة إسرائيلية) وتأكيد التهمة عليه بشكل يحول دون توليه أي منصب وزاري.

فهل يُمعن ايهود اولمرت في غيه العسكري والسياسي ويهرب إلى... إيران قالباً طاولة أوراق المنطقة على جميع اللاعبين؟

أحد الأسئلة المتداولة من وحي المرحلة: ما هو الأكثر خطورة وكلفة؟ نجاح خطط الرئيس جورج دبليو بوش في العراق والمنطقة... أم فشل هذه الخطط؟

الاستراتيجيون العاقلون يجيبون: في النجاح كارثة وفي الفشل كارثة أكبر أو أكثر.

وفيما يعود الرئيس بوش مجدداً إلى الحديث عن دعم لبنان وحكومته صباح مساء من كل يوم (تقريباً) فإن هذا «التأييد» لا يضمن للبنان خروجه من محنته ومن الأجواء الضاغطة فيه وعليه، لذا يبقى الوطن الصغير في عين العاصفة يستمع أبناؤه على اختلاف اتجاهاتهم إلى نفي وقوع حرب أهلية... لكن كل شيء على الأرض يشير إلى ذلك وأخطر من ذلك.

فهل يكفي نفي وقوع حرب أهلية حتى لا تقع هذه الحرب الأهلية؟ ثم ما هو البديل عن هذه الأجواء المتشنجة والمحتقنة؟

وإذا كان يجوز في ظروف سابقة تكرار الأخطاء السياسية في لبنان أكثر من مرة وبلوغ الوطن هذه المرحلة من الانهيار بدل التماسك... فهل يجوز تحت أي شعار من الشعارات تكرار حرب أهلية جرب لبنان أهوالها وعاش كل أخطارها ودمارها؟

وعليه أيها اللبنانيون: الحرب من أمامكم والحوار من أمامكم ومن ورائكم فهل من تردد في الاختيار؟ هل يبدو الخيار صعباً إلى هذه الدرجة؟

آخر أخبار السيد عمرو موسى أكدت: إمكانية الاتصالات العمل في المبادرة العربية في مرحلتها الثانية.

هل يعود الأمين العام للجامعة ومعه العصا حيث لم يبق في لبنان لحل الأزمة إلا عصا موسى؟!

موجز الموقف العربي والدولي:

* العراق: الحرب المذهبية والطائفية على استعار واشتداد واندلاع نيرانها حتى إلى دول الجوار، ولن يوقف انتشارها أحد أو طرف قبل فوات الآوان.

* اللجنة الرباعية اجتمعت قبل أمس الجمعة في واشنطن لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن المطلوب تحريك عملية السلام بين الفلسطينيين و... الفلسطينيين.