الحياة / حازم صاغيّة

ما الذي أُنجز بعد عام على توقيع «ورقة التفاهم» بين «حزب الله» وميشال عون وتيّاره؟

لنقل، بادئ ذي بدء، إن ذاك «التفاهم» جاء نتاج إحباطين، وزواجُ إحباطين لا ينجب وليداً قابلاً للحياة.

لكنّهما، فوق هذا، إحباطان متضادّان: فهناك، أوّلاً، طبيعتاهما المتعاكستان المتجافيتان على نحو غير معهود في تواريخ التحالفات. وهناك، ثانياً، أن إحباط «حزب الله» ناجم عن القرار 1559 والخروج السوريّ، ومن ثمّ، واستطراداً، عن عودة ميشال عون الى لبنان، فيما أحد أسباب الإحباط المُلمّ بعون قيام «التحالف (الانتخابيّ) الرباعيّ» الذي ضمّ «حزب الله» الى حركة «أمل» وتيّار «المستقبل» والحزب التقدّميّ الاشتراكيّ.

إذاً، رائحة الانتهازيّة المطلقة رائحة هذه العلاقة الثنائيّة، فكأنّنا حيال زواج كاذب كالذي يعقده بعض المهاجرين مع فتيات من بلدان معيّنة يريدون الحصول على جنسيّتها.

على أي حال، وقياساً بما يقوله العونيّون في ما خصّ «التفاهم»، يبقى أن أكثر حججهم وجاهةً أقواها ضدّهم. فإذا صحّ، وهو صحيح، أن «التحالف الرباعيّ» نمّ عن رغبة في تهميش التيّار، والمسيحيّين تالياً، والابقاء على معادلات الوصاية السوريّة من دون السوريّين، فإن الانتخابات كانت فرصتهم لإعادة تصويب التحالف مع قوى 14 آذار الأخرى. فقد بات ممكناً، خصوصاً بعد تلك الانتخابات، ضبط التوجّه الجنبلاطيّ - الحريريّ للنيابة عن المسيحيّين وفرض توازنات أخرى تمنحهم ثقلاً أكبر فيما تكون أشدّ مطابقة لمرحلة ما بعد الاستقلال الثاني ومتطلّباتها.

وهي، في الأحوال كافّة، معركة سياسيّة كان حريّاً بعون أن يخوضها ضدّ حلفائه في 14 آذار، كيما يحسّن شروط تجديد التحالف، فلم يحل من دون خوضه إيّاها سوى الأنا المتضخّمة التي حملته على الردّ بأسوأ مما عومل به. فهو، في لقاء 8 آذار، المارونيّ الوحيد بينما هو، في لقاء 14 آذار، واحد من خمسة موارنة، على الأقلّ، يمكن لواحدهم أن يُعتَمَد مرشّحاً لرئاسة الجمهوريّة. هكذا تعزّز ميله الأصليّ الى إنكار أيّ دور لغيره، بما في ذلك النتائج التي تأدّت عن اغتيال الرئيس الحريري والتحوّل الضخم الذي تعرّضت له الطائفة السنيّة. لكنّه، أيضاً، صار أفصح المؤكّدين على لاشرعيّة حكومة فؤاد السنيورة، وهو صاحب الحكومة التي امتنع جميع الطوائف الإسلاميّة عن المشاركة فيها، إلا أنها ظلّت، في عرفه، ولا تزال، حكومة شرعيّة.

هكذا بات في وسع «حزب الله»، بغطاء عونيّ، أن ينتزع لنشاطه في مقاومة بناء الدولة بُعداً وطنيّاً عابراً للطوائف. فإذا صحّ أن الحزب كسب حرباً فهي هذه «الحرب» تحديداً، حيث أمّن له عون الأساس النابض لبقاء النزاعات السياسيّة عصيّة على الحسم والافضاء الى استقرار ما.

وبالهرب الى «التفاهم» مع «حزب الله»، أمكن «إنجاز» أهداف يجوز الشكّ في مدى ملاءمتها لحساسيّة الجمهور الذي يمثّله عون، ومدى تلاؤمها مع مصالح الأكثريّة الساحقة من اللبنانيّين:

فقد حيل دون قيام حكم قادر، فيما أبقي على نفوذ سوريّ متعدّد الأوجه ساهم عون في إبقائه عبر التحالف مع رموزه. وتمّ، كذلك، تشديد الربط بمشروع إقليميّ راديكاليّ يصطدم بمعظم علاقات لبنان العربيّة وبجميع علاقاته الدوليّة تقريباً. وأبعد من هذا، خيضت الحرب (التي لم يُستشر فيها عون) ودُبّر لها تبرير وطنيّ، فيما أُحكمت العزلة والتهميش على سائر الشيعة خارج «حزب الله» و «أمل». هكذا تولّى الجنرال، بمزيد من الزخم والاتّساع، ما كان بدأه «التحالف الرباعيّ» قبل أن يتراجع عنه. أمّا مسيحيّاً، فأُمعن في تشتيت جهد كان ليصبّ في معركة الاستقلال الثاني، وصير الى مزيد من تغريب مسيحيّيه عن حساسيّاتهم ومن تزوير سعيهم الى وطن ودولة.

لقد كان ميشال عون القشّة التي قصمت ظهر مشروع الانتقال من حال لبنانيّة الى حال.