نهاية القرن التاسع عشر ... بداية القرن العشرين .. هذا هو الزمن الذي يتكرر، فكسر التوازن السكاني أعاد صياغة عالمنا، وربما خلف ثقافة "الغربة" ... فضاقت الخيارات أمام البعض، أو نما الشعور بالتناقض مع الثقافة السائدة .. فضاقت الخيارات أمام البعض وخسرت سورية ولبنان طاقات بشرية لا تعوض، بينما شهدنا مرحلة جديدة هي صورة من "الشتات" الذي خلقناها بأنفسنا، وربما اضطرب الطيف الثقافي لمنطقة تعيش بالتنوع .. فهل نشهد ظاهرة مماثلة من العراق، لتكون مفتاحا لإعادة صياغة زمن الطوائف الذي يبدو أنه الأقوى في اللحظة السياسية!!

الصورة السياسية في العراق توحي بأن الجغرافية السكانية لم تعد تشهد توازنها السابق، وبغض النظر عن الزمن الذي سبق احتلال أو جاء بعده فإن المشهد الدامي لا يوحي فقط بالحرب الأهلية بل يطلق إنذارا بأن "التوازن الاجتماعي" ربما انهار أو ينتقل نحو الشرق الأوسط وكأنه القدر الوحيد في مواجهة الاستراتيجية الدولية ... واللون الواحد يطغى اليوم على الطيف الثقافي العام. هذه الصورة الفاقعة بما تحمله من فرز حاد لن تكون بعيدة في المستقبل عن المنطقة ككل، فالتاريخ يظهر أن الترابط في هذه الجغرافية السكانية لا يقف عند حدود الدولة الإقليمية بمفهومها الذي ظهر مع نهاية الحرب العالمية الأولى .. فاللون الواحد يسير كالهشيم، بينما يبقى الطيف الثقافي هوية تمكننا من مواجهة المستقبل.

ربما علينا الحديث دوما عن الطيف الثقافي لأننا نحيا به كسمة اجتماعية وليس كإجراء سياسي، بينما يتحصن أصحاب اللون الواحد بكم تراثي وتاريخي، وبإسناد معاصر من خلال صورة الحرب الأمريكية على المنطقة، أو عبر إجراءات الحكومة الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية. فهل نحن قادرون على حماية هذا الطيف ...

ليس هناك خيار آخر إذا أردنا البقاء كمجتمع، والدخول إلى العصر بشكل حضاري. وما يجري اليوم لا يمس العراق وحدها لأنه "شكل ثقافي" وليس مظهرا سياسيا ... وإذا كانت الصورة اليوم لا تحمل سوى حالة من نتائج الحرب، فإننا نملك من الخوف ما يبرر التحصن داخل هذا الطيف الذي سيشكل المعبر نحو المستقبل .. وخارج مقولات "الفساد" و "النهي عن المنكر بالقوة" أو .. فرض اللون الواحد عنوة ...